سورة فاطر ٣٥: ٢٢
{وَمَا يَسْتَوِى الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِى الْقُبُورِ}:
{وَمَا يَسْتَوِى الْأَحْيَاءُ}: ما: النّافية الأحياء: المؤمنون الّذين استجابوا لله ولرسوله حين دعاهم لما يحييهم كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال: ٢٤.
{وَلَا الْأَمْوَاتُ}: الكفار الّذين لم يستجيبوا لله وللرسول وتولَّوا وهم معرضون، وتكرار (لا) وما تؤكد عدم الاستواء كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} الأنعام: ٣٦.
وإذا نظرنا إلى الآية (١٩) قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} لم يضف لا كقوله: ولا البصير، لم يؤكد بحرف نفي.
وأمّا الآية (٢٠) قال تعالى: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} فأضاف لا.
والآية (٢١) قال تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}: أضاف لا.
والآية (٢٢) قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}: أضاف لا.
فقوله: وما يستوي الأعمى والبصير، قد يكون الشّخص جاهلاً، ويتعلَّم دينه أو كافراً فيؤمن فيطرأ عليه الوصفان؛ أي: كونه كان أعمى ثم أبصر يجتمع فيه الوصفان.
وأمّا قوله: ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء والأموات، فهذه الثّلاث كلها متقابلات أو متناقضات لا تجتمع أبداً، فلا بُدَّ أن يكون إما ظلمةً أو نوراً لا ثالث لهما، أو ظلاً (جنة) أو حروراً (جهنم لا ثالث لهما) أو حياً أو ميتاً لا ثالث لهما، فاستعمل لا للتوكيد على النّفي.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ}: إن للتوكيد، الله يسمع من يشاء: أيْ: يُسمع من اهتدى بنفسه واختار طريق الهداية، سماع هداية فيزيده هدى وتقوى.
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِى الْقُبُورِ}: وما النّافية، أنت يا محمّد -صلى الله عليه وسلم- بمسمع من في القبور، أي: الكفار الأحياء الّذين هم كالأموات في نظر الله تعالى. كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} الأنعام: ٣٦، أيْ: أنت يا رسول الله لن تسمع هؤلاء الكفار سماع الهداية المؤدِّي إلى عودتهم إلى الإيمان.
وفي هذه الآية تهديد ووعيد للذين كفروا، وتبقى مهمتك هي: إن أنت إلا نذير.