سورة فاطر ٣٥: ٤٥
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}:
تدل هذه الآية على أنّه سبحانه رحيم بعباده حتّى الكافرين والعاصين لأوامره؛ لأنّه سبحانه هو ربهم وخالقهم، ويعلم سبحانه أنّ عبادهُ ضعفاء أمام شهوات أنفسهم وأهوائهم وأمام شياطينهم.
{وَلَوْ}: الواو استئنافية أو عاطفة لو شرطية.
{يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ}: أيْ: يعاقب ويجازي النّاس (الإنس والجن).
{بِمَا كَسَبُوا}: الباء للإلصاق باء السّببية أو البدلية.
ما: اسم موصول بمعنى الّذي، وهي أشمل وأوسع من كلمة الّذي.
كسبوا: أيْ: عملوا وبما أن السّياق في التّجارة والخسارة كقوله: ليوفيهم أجورهم وقوله: ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً.
استعمل كلمة كسبوا بدلاً من عملوا: كسبوا ولم يقل: اكتسبوا، كسبوا تستعمل في كسب الخير، بينما اكتسبوا في أفعال الشر أو السيئات، وهذا من خصائص القرآن. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٨٦) لمزيد من البيان.
{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}: أيْ: لو يعاقب الله سبحانه النّاس جميعاً على ذنوبهم لأهلك أهل الأرض وما ترك على ظهر الأرض من دابة، أيْ: أهلكهم ودوابهم أيضاً لسوء معاصيهم.
من دابة: من: استغراقية تستغرق كلّ دابة، وهو ما يدب على الأرض، تشمل الإنس والجن والدّواب وكل شيء يمشي في الأرض.
{وَلَكِنْ}: حرف استدراك.
{يُؤَخِّرُهُمْ}: يمهلهم أو يؤجل عقابهم.
{إِلَى}: حرف غاية.
{أَجَلٍ مُسَمًّى}: هو إما انقضاء أجلهم أو يوم القيامة أو مجيء عذابهم في الدّنيا كما حدث في غزوة بدر.
{فَإِذَا}: الفاء للترتيب والتعقيب إذا ظرفية زمانية شرطية تفيد الحتمية حتمية الحدوث.
{جَاءَ أَجَلُهُمْ}: الأجل هو: هو الوقت المضروب لانقضاء الشّيء وأجل الإنسان هو الوقت المضروب لانقضاء عمره، والأجل إمّا الموت أو يوم القيامة أو العذاب.
{فَإِنَّ اللَّهَ}: الفاء للتوكيد وإن لزيادة التّوكيد.
{كَانَ}: تشمل كلّ الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل.
{بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}: بصيراً من البصر وهو أقوى وسائل العلم والإدراك ويأتي بعد حاسة السمع، وحاسة البصر أقوى من السمع، فالبصر يرى على مسافات شاسعة وما تراه يكون حقاً، أمّا السمع فيكون أقل مسافة وغير متأكد مما تسمع، فالله سبحانه يرى عباده ويرى أعمالهم ولا تخفى عليه خافية.
وقد يسأل سائل ما ذنب الدّواب المسخرة، أي: المذلَّلة للإنسان؛ لأن هلاك وموت الدّواب الّتي هي مصدر غذاء الإنسان وقوته يعني: سلب الإنسان نعمة كبيرة تخلُّ براحته حين يبحث عنها فلا يجدها متوافرة.
ولنقارن هذه الآية (٤٥) من سورة فاطر: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}.
مع الآية (٦١) من سورة النّحل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـئْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.
في آية فاطر: بما كسبوا، وفي آية النّحل: بظلمهم.
الكسب أعم وأشمل من الظلم، والظلم جزء من الكسب.
في آية فاطر: ما ترك على ظهرها، وفي آية النّحل: عليها.
على ظهرها يشمل كلّ ظهر الأرض عليها قد يعني: جزءاً من الأرض.
في آية فاطر: فإن الله كان بعباده بصيراً، وفي آية النّحل: لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
الإنذار والوعيد أشد في آية فاطر مقارنة بآية النّحل.