سورة يس ٣٦: ٢٣
{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْـئًا وَلَا يُنْقِذُونِ}:
{أَأَتَّخِذُ}: الهمزة للاستفهام والتّعجب والإنكار والتّقرير، {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}؛ أي: أتخذ معبوداً غيره فهو ينكر كيف يتخذون من دون الله آلهة وهو الّذي خلقهم وخلقها، وهي في الحقيقة ليست آلهة ولا تستحق الذكر، وتفيد التّقرير يريد من السّامع أن يقرّر حتّى تقام عليه الحجة.
{مِنْ دُونِهِ}: من ابتدائية: من غيره ولا معه ولا واسطة (أو وسيط) لأنّ شفاعتهم لا تغني شيئاً ولا تضر ولا تنفع.
{آلِهَةً}: مثل الأصنام والأوثان، والملائكة وغيرهم.
{إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ}: إن شرطية تفيد الاحتمال أو الافتراض، يردن: فعل مضارع، وجاء بعد إن الشّرطية فهذا يدل على التّجدد والتّكرار؛ أي: يردن مرة بعد المرة؛ أي: باستمرار، ولم يقل إن أرادني: فعل ماض يعني مرة واحدة، ومجيئه بعد إن الشّرطية يفيد الاستقبال وعدم التّكرار، وحذف ياء المتكلم من يردن ولم يقل يردني؛ للدلالة على أنّ الإرادة ولو كانت بضر خفيف أو قليل لا تغني شفاعتهم شيئاً (أي لا عن الكثير ولا عن القليل الضئيل) وتعني: إن يردن (أنا أو غيري) تشمل الكل وهو يعني: مستمر.
{الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ}: بضُر: بضم الضاد؛ الباء: للإلصاق، وتدخل على مدار الاهتمام، وهناك فرق بين الضُّر والضَّر، فالضُّر: ما يصيب الفرد من سوء الحال والمرض والفقر، والضَّر: بفتح الضاد هو ضد النفع؛ لماذا اختار اسم الرّحمن مع احتمال إرادة الضّر؟ لأنّ الرّحمن مشتق من الرّحمة، والضّر عكس الرّحمة فكيف نجمع بينهما: التّفسير الأوّل: نقول قد يظن الإنسان حسب موازينه أنّ ما يحصل له الآن من ضر بعد أسابيع أو أشهر يجد أنّ ما حدث له وظنه ضراً إذا به نفعٌ، والأمر قد يكون في الظّاهر ضراً وفي الباطن رحمة، فلا يعلم الغيب إلا الله، وكلّ ما يجري الرّحمن من الأقدار هي من منطلق الرّحمة.
التّفسير الثّاني: جاء باسم الرّحمن؛ للتذكير باللجوء إلى الرّحمن عند الإصابة بالضّر ليكشفه، ولم يقل إن يردن الرّحمن بضر أو رحمة، حذف ذكر الرّحمة؛ لأنّ الرّحمة مصدرها معروف من الرّحمن، والرّحمن هو رحمة بذاته ومن صفاته الثّابتة الرّحمة.
{لَا تُغْنِ عَنِّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْـئًا}: لا النّافية، لا تغن عني شفاعتهم: على افتراض أنّ الآلهة قادرة على الشّفاعة فشفاعتها لن تجدي ولن تقبل، وهي أصلاً لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئاً، فلا تسمع من يدعوها، شيئاً: نكرة أيّ شيء مهما كان، والشّيء هو أقل القليل، شيئاً: توكيد ويدل على المقدار؛ لا تغن: حذف الياء، ولم يقل: لا تغني؛ لأنها لا تغني ولو الشيء القليل؛ أي: لا تغن شيئاً مهما كانت.
{وَلَا يُنْقِذُونِ}: لا النّافية، ينقذون: لا يستطيعون إنقاذي، ولا ينقذون، وقدم الشفاعة على الإنقاذ؛ لأن الإنقاذ يلجأ إليه بعد عدم نفع الشفاعة؛ مما أرادني به الرّحمن من ضر. ولا ينقذون حذف الياء تعني: حتّى من أدنى الإنقاذ أو من الأمر القليل (ولم يقل ينقذوني) أو تعني ينقذون أنا أو غيري تشمل الكل ولو قال ينقذوني تعني: لا ينقذوني أنا وحدي وينقذون غيري وهو نفي مستمر.