سورة يس ٣٦: ٣١
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ}:
{أَلَمْ}: الهمزة للاستفهام والتّوبيخ، قال: ألم ولم يقل أولم، (ألم) تدل على شيء غير مرئي وتنكره وقد تعني القلة، و (أولم) تدل على تدل على شيء مرئي وتنكره وقد تعني كثرة الّذين أهلكنا.
{يَرَوْا}: رؤية بصرية، يروا: مساكن وآثار هؤلاء المكذبين لرسلهم، يروا بيوتهم الخاوية على عروشها، ورؤية قلبية فكرية (رؤية علمية) ألم يعلموا (الرّؤية العلمية) ألم يأتهم أنباء الّذين أهلكناهم؟
{كَمْ}: الخبرية تفيد الكثرة.
{أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ}: أهلكنا، نسب الهلاك إليه سبحانه؛ ليدل على شدة الهلاك وعظمته ويعني الموت والفناء، وتقديم الظّرف يدل على التّهديد والوعيد الشّديد. ارجع إلى سورة الأعراف الآية (٤) لمزيد من البيان في معنى الهلاك.
لنقارن هذه الآية: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ}.
مع الآية (١٣) من سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}.
في آية يس قدّم الظّرف قبلهم فقال: قبلهم من القرون.
في سورة يونس أخّر الظّرف فقال: القرون من قبلكم.
في آية يس وكل آية أخرى في القرآن يقدّم فيها الظّرف قبلهم أو قبلكم على القرون فيها تهديد أكبر ووعيد أشد وتحذير.
وفي آية يونس وسورة الإسراء فقط أخّر الظّرف؛ لأنّهما ليس فيهما تهديد ووعيد مثال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الإسراء: ١٧.
{قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ}: ولم يقل من قبلهم من القرون، مجيء من يدل على القرب.
قبلهم من القرون: تعني القرون الماضية غير القريبة الّتي جاءت قبلهم؛ أي ينظروا في مصير تلك القرون.
من ابتدائية، القرون: جمع قرن والقرن يقدر بـ (١٠٠ سنة) أو يعني جماعة أو قوماً عاشوا معاً في زمن واحد معين يقدر بقرن (١٠٠ سنة).
{أَنَّهُمْ}: تفيد التّوكيد.
{إِلَيْهِمْ}: تقديمها يفيد الحصر؛ أي إليهم حصراً.
{لَا يَرْجِعُونَ}: لا النّافية، يرجعون: يرجعون إلى كفار مكة، فيكونون هادين لهم أو ناصحين واعظين حتّى يؤمنوا بالله فينجوا من العذاب فهذا لن يحدث.
لا يَرجعون: ولم يقل لا يُرجَعون؛ أي يَرجعون بإرادتهم وليس قسراً وبإكراه، ولو أردنا هذا لفعلناه وعندها يستعمل يُرجعون.
لا يَرجعون: الفاعل يعود على القرون المهلكة، قيل: لا يرجعون إلى الدّنيا ليعظوا هؤلاء: كفار مكة أو غيرهم من الأقوام، وبذلك يتجنبون العذاب.