سورة ص ٣٨: ٢٤
{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}:
{قَالَ}: داود لصاحب النّعجة الواحدة.
{لَقَدْ}: اللام للتوكيد، قد للتحقيق.
{ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ}: فهو يؤكد ظلم صاحب النِّعاج (٩٩) بدون أن يستمع له، وهذا خطأ لا يجوز في القضاء.
وقيل: أخطأ داود عدة أخطاء.
١ - لم يستمع داود -عليه السلام- للطرف الآخر: لصاحب (٩٩) نعجة.
٢ - حكم داود وهو في حالة الفزع والخوف، وهذا مخالف لأركان الحكم الصّحيح أو القواعد الشّرعية.
٣ - حكم بدون أيِّ بينة.
{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ}: وإنّ للتوكيد، كثيراً من الخلطاء: من الشّركاء في التّجارة أو المال؛ أي: خلطوا أموالهم مع بعضهم البعض.
{لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}: اللام للتوكيد، يبغي: من البغيّ وهو: التّعدي؛ وهو أخذ مال أو حق الغير بقهر وتعسُّف وظلم.
{إِلَّا}: أداة استثناء.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: لأنّ إيمانهم يمنعهم من أن يبغي بعضهم على بعض.
{وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}: أي عددهم قليل، قليل: نكرة تفيد التّهويل والتّعجب من قلتهم، وما: تفيد التّوكيد.
{وَظَنَّ دَاوُودُ}: الظّن هو الاعتقاد أو الاحتمال الرّاجح؛ أي: علم داود.
{أَنَّمَا فَتَنَّاهُ}: أن مصدرية قد تقلب الظّن يقيناً، فتنّاه: ابتليناه.
{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ}: الفاء للتعقيب والمباشرة، استغفر ربه: لأنّه شعر أو أحسّ بالذّنب أو الخطأ في حكمه.
{وَخَرَّ رَاكِعًا}: بدلاً من وخرّ ساجداً، وهذه هي الآية الوحيدة الّتي قيل فيها: خرّ راكعاً، وبقية الآيات: خرّ ساجداً، فكيف نفسر ذلك؟ قيل: أطلق الرّكوع وأريد به السّجود (عبر بالرّكوع عن السّجود) أي: خرّ راكعاً ثمّ سجد أو خرّ بعد أن كان راكعاً، أو خرّ مطأطئاً رأسه؛ أي: سجد. والرّكوع يعني: الخضوع، وقد ثبت في السّنة أنّ داود بعد انحنائه خضوعاً سجد لله بعد ذلك، أسرع بالرّجوع إلى الله بالتّوبة.
وهناك من قال: إنّ داود لم يرتكب معصية متعمدة وإنما اجتهد في حكمه، والخطأ في الحكم أقل من المعصية، والمعصية تحتاج إلى سجود والخطأ غير المتعمد يناسبه الرّكوع الّذي هو دون السّجود.