سورة الزمر ٣٩: ٢٣
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}:
{اللَّهُ نَزَّلَ}: تقديم الفاعل (الله) على الفعل (نزل) للحصر والقصر والاهتمام، نزل: بشكل تدريجي وعلى دفعات، أيْ: منجماً.
{أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}: وهو القرآن الكريم وأحسن على وزن أفعل التّفضيل، أيْ: أبلغ الحديث وأصدقه، وسُمِّي أحسن الحديث وفيه أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} يوسف: ٣. لأنّه كلام الله تعالى وقصص الله تعالى، الحديث يعني: الإخبار بما حدث وسيحدث وما هو كائن بالنّسبة للكون وللخلق، وأمّا الفرق بين الحديث والقول والقيل، فإنّ الحديث يستدعي أنّ هناك محدثاً ومشاركاً، أيْ: متكلماً وسامعاً، أمّا القول والقيل فلا يُشترط ذلك.
{كِتَابًا}: سُمِّي كتاباً لكونه مكتوباً في الأسطر للحفظ من التغير والتبديل.
{مُّتَشَابِهًا}: يشبه بعضه بعضاً في المعاني والألفاظ والبلاغة والإعجاز وحسن النّظم. ولا اختلاف فيه ولا تناقض.
{مَّثَانِىَ}: لأنّ الرّوايات تُتلى وتكرَّر على الدّوام، وكذلك الأنباء والقصص تُتلى وتكرَّر، مثاني من التّثنية، أي: الإعادة والتّكرار، فهو يُتلى ويكرَّر على مدى (٢٤) ساعة.
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: ولإيضاح ما يحدث هو أن تلاوة القرآن أو سماع تلاوة القرآن بخشوع وخوف ينبِّه منطقة بالدّماغ تسمَّى المنطقة تحت السّرير البصري الّتي تسيطر على الأعصاب المسمَّاة الودِّية.
وهذا يؤدِّي إلى تقبض العضلات المسؤولة عن انتصاب الشّعر وحدوث القشعريرة والخوف والخشوع.
{يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: الخشية تعني: الخوف المصحوب بالعلم ممن تخاف والشّعور بمهابة وعظمة الخالق، يخشون ربهم، ولم يقل: بالغيب؛ إذ يخشون ربهم خشية مطلقة غير مقيَّدة بالغيب أو العلن، أيْ: في كلّ زمن في الخفاء أو العلن؛ أي: أمام الناس، وهناك فرق بين الخشية والخوف؛ فالخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه، وأما الوجل: فهو الفزع مع اضطراب القلب.
{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: أيْ: بعد أن تقشعر جلودهم وتضطرب قلوبهم بالتّسرع في الضّربات من سماع آيات الإنذار والوعيد.
{ثُمَّ}: للترتيب العددي (وليس التّرتيب والتّراخي في الزّمن) ثم إذا سمعوا آيات الوعد والبشارة يعودون فيتذكرون رحمة الله وعفوه ومغفرته مما يؤدِّي إلى اطمئنان قلوبهم فتهدأ أعصابهم من إثارتها فتعود فتتوقف عن الإثارة؛ مما يؤدِّي إلى أن تليّن جلودهم وقلوبهم بين سماع آيات القرآن وما أعده الله لعباده الصّالحين.
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاءُ}: ذلك: اسم إشارة واللام للبعد يشير إلى القرآن هدى الله.
يهدي به من يشاء: أيْ: من اختاروا لأنفسهم طريق الهداية وامتثال أوامر الله تعالى وتجنب نواهيه.
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}: ومن شرطية تفيد العاقل، يضلل: ينحرف عن طريق الحق والصّراط المستقيم والدّين ويصر على فجوره. ويبتعد بعيداً عن سبيل الله.
فما له من هاد: أيْ: هادٍ يهديه مرة أخرى للرجوع إلى الطّريق المستقيم.
فما له: الفاء للتوكيد، ما: النّافية، له: اللام لام الاختصاص له حصراً أو خاصة، من: استغراقية تستغرق كلّ فرد، هاد: يهديه مرة أخرى إلى الطّريق المستقيم. فما له من هاد بعد أن تخلَّى الله عنه وتركه في غيِّه وضلاله.