سورة آل عمران ٣: ١٢٠
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}:
{إِنْ}: شرطية تدل على الاحتمال، أو ندرة الحدوث.
{تَمْسَسْكُمْ}: تمسسكم من المس: وهو اللمس الخفيف، مجرد التقاء الماس بالممسوس، والمس يكون في الخير، أو الشر.
{حَسَنَةٌ}: نكرة؛ أي: حسنة، والحسنة: ما يسرّ النفس، وكل ما يستحسنه الإنسان من فوز، أو غنيمة، أو نصر، أو رزق، أو الدخول في الإسلام، ومهما كانت صغيرة، أو كبيرة، ومهما كان نوعها. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٠١)؛ لمزيد من البيان.
{تَسُؤْهُمْ}: تحزنهم، وتزعجهم؛ أي: مجرد أن تمسكم، ولو كان مسَّاً طفيفاً تحزنهم، وتزعجهم.
{وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ}: وإن: شرطية تدل على الاحتمال، أو ندرة الحدوث.
تصبكم: ولم يقل: تمسسكم، كما قال في شأن الحسنة، وإنما قال تصبكم، والإصابة أشد، وأسوأ من المس، فهم يبغون لكم الإصابة بالسيئة؛ لأن المس في نظرهم لا يكفي، بل لا بد من أن يكون شديداً إلى درجة الإصابة الشديدة حتى {يَفْرَحُوا بِهَا}: يفرحوا بذلك، أما إن كان مجرد المس الخفيف لما فرحوا والسيئة قد تكون الفقر، أو الهزيمة، أو الجوع، أو الخوف، أو الكل معاً.
{وَإِنْ تَصْبِرُوا}: الواو: عاطفة، إن: شرطية تفيد الاحتمال، تصبروا: على أذاهم وحقدهم، وغيظهم، وعلى ما أصابكم في سبيل الله، وتصبروا على طاعتكم. {وَتَتَّقُوا}: الله في موالاتهم، وتتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
{لَا}: النافية، والكيد اسم لفعل المكروه بالغير.
{يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ}: يضركُم: بضم الكاف، وفي قراءة أخرى لا يضركَم بفتح الكاف، والأكثر شيوعاً هي القراءة بفتح الكاف؛ لأن الفتحة أخف الحركات، والضمة أثقل الحركات، فعند القول بالفتح معنى انظر لا يذكر قليل جداً، وأما بالضم يضركُم كما في هذه الآية تعني هناك ضر، أو أذى سوى يصيبكم، ولكن لا يضركُم كثيراً، ومجيئها بالفتح، أو الضم؛ للدلالة على أن هناك حالات شديدة من الضر وحالات أخف، وليس ما يعانيه الأفراد بمستوى واحد، أو من نوع واحد، والكيد هو التدبير الخفي للضرر بالغير، وهو احتيال على إيقاع الضرر بالغير؛ بحيث يبدو أنه غير مدبر، والضُّر: ما يصيب البدن من السقم، أو الأمراض، أو الجوع، والضَّر: بفتح الضاد: ضد النفع.
{شَيْـئًا}: للتوكيد على عدم ضر الكيد، والشيء هو أقل القليل، وشيئاً نكرة؛ أي شيء مهما كان نوعه، أو شدته، والشيء: كل ما يعلم ويخبر عنه سواء أكان حسياً أم معنوياً.
{إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}: إن: للتوكيد، بما: الباء: للإلصاق، ما: اسم موصول، أو حرف مصدري.
إن الله عالم بكل شيء، ومحيط به إحاطة تامة من كل الجوانب، محيط به بقدرته، وعلمه، وقادر على إحباطه إن شاء، فالله سبحانه محيط بما يعمل الكافرون، وهو أيضاً محيط بالكافرين أنفسهم، ومحيط بأقوالهم وأفعالهم.
وهذه الآية تحث المؤمنين على الصبر، والتقوى على أذى الكافرين، والمشركين حتى يأتي الله بأمره بالنصر، أو الفتح من عنده.