سورة آل عمران ٣: ١٣٠
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَواا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}:
المناسبة: نجد أن الله سبحانه وتعالى يتوقف عن الحديث عن الغزوة، وينتقل إلى الحديث عن الربا، فهل هناك علاقة بين معركة أحد والنهي عن الربا؟
لقد كان من أسباب الهزيمة في أحد هو ترك الرماة مواطنهم في جبل أُحد رغم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذرهم وأوصاهم بعدم فعل ذلك مهما كان الأمر.
ولكن الصحابة (الرماة) عصفت بهم شهوة الغنائم حين ظنوا أن المسلمين قد انتصروا في بداية المعركة، وطمعوا في المال والغنائم، فتركوا مواقعهم إلا العدد القليل الذين استجابوا لدعوة الرسول، وبقوا في أماكنهم؛ مما أدَّى إلى هزيمتهم، وقتل الكثير منهم، وتعرضهم للهلاك، فطمعهم في الغنيمة، والغنيمة مال زائد، والربا كذلك، ولذلك ذكر الربا.
أو يذكرنا الله تعالى بترك الربا، وبذل المال الحلال في سبيل الله، فهذه الغزوات تحتاج إلى تضحية ومال طيب حلال.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء إلى الذين آمنوا بتكليف جديد وأمر جديد.
{لَا}: الناهية.
{تَأْكُلُوا الرِّبَواا}: تأخذوا وشبه أخذ الربا بالأكل. ارجع إلى الآية (٢٧٥) من سورة البقرة؛ للبيان. وهذا يسمى المجاز المرسل، والربا ربا الفضل، وربا النسيئة.
{أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}: لا تأخذوا؛ أي: تأكلوا الفائدة المركبة مع مرور الزمن. وما كان عليه الحال في الجاهلية كانوا يؤخرون الدَّين ويزيدون مقابل التأخير الفائدة حتى تتضاعف الفوائد.
١ - في الجاهلية كان إذا حل أجل الدَّين يسألون الذي عليه الدَّين إما أن تقضي، وإما أن تُربي؛ فإن لم يقضِ زاد عليه الفائدة، وهكذا عام بعد عام يتضاعف مبلغ الربا، ويصبح أضعافاً مضاعفة.
٢ - أضعافاً مضاعفة إذا قارنته برأس المال، مثال: إذا أودعت مبلغاً من المال مثل (١٠٠٠ درهم) بفائدة (١٠%) بعد سنة يصبح المبلغ (١١٠٠ درهم)، ثم تترك (١١٠٠ درهم) سنة أخرى تصبح (١٢١٠) وهكذا أي: تأخذ فائدة على رأس المال، وعلى الفائدة، وهذا يسمى بالربح المركب، فالأضعاف تتضاعف، ويصبح رأس المال الذي بدأت به شيء قليل لا يذكر ضعيف أمام المضاعفة التي حصلت من جراء تراكم الفائدة واستثمارها.
ومال الربا قل أو كثر هو حرام، ولا يقصد هنا أن الربا المضاعف أضعافاً كثيرة هو الحرام فقط، والربا القليل أو البسيط ليس حراماً، فالكل حرام.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أطيعوا أوامر الله، وتجنبوا ما نهاكم عنه.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: لعلكم: للتعليل، تفلحون: أي: اتقوا الله لتفحلوا في دنياكم وآخرتكم، ومعنى الفلاح. ارجع إلى الآية (٥) من سورة البقرة.
في الدنيا وفي الآخرة بالفوز برضوان الله وجنته.