سورة آل عمران ٣: ١٣٣
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}:
{وَسَارِعُوا}: الواو: عاطفة، فهذه الآية معطوفة على ما قبلها من الآيات، واتقوا، وأطيعوا، وسارعوا.
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ}: بترك الربا حالاً، والسرعة هي الجري بسرعة إلى طلب المغفرة.
والسرعة لا تعني العجلة؛ لأن العجلة مذمومة في معظم الأحوال؛ إلا في دفن الميت، والتوبة، والزواج للبكر، وأداء الأمانة مثلاً، والسرعة مطلوبة من كل إنسان في الإنابة، والتوبة، والاستغفار (طلب المغفرة).
وهناك فرق بين المسارعة والمسابقة (أو السباق).
المسابقة تحتاج إلى أكثر من فاعل، فلا بد من اثنين، أو أكثر لتتم المسابقة، أما المسارعة فقد تتم بواحد.
وسارعوا إلى: إلى: حرف غاية، والغاية هي المغفرة.
والمغفرة: مشتقة من الغفر، والغفران؛ أي: الستر ستر الذنوب، وبالتالي العفو عنها.
سارعوا إلى مغفرة من ربكم: ومغفرة نكرة؛ أي: مغفرة صغيرة وكبيرة؛ أي: سارعوا إلى موجبات المغفرة وأولها هي الإسراع بالتوبة، والإنابة إلى الله، وترك الذنب، وكثرة الاستغفار، والإكثار من العمل الصالح، وفعل الخير.
من ربكم: الرب المربي المتولي بتدبير أموركم الذي خلقكم، ورزقكم، ورباكم.
{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}: وسارعوا إلى جنة: نكرة؛ لأن هناك جنات كثيرة: جنات عدن، جنات الفردوس، جنات النعيم وغيرها. سارعوا إلى أي جنة من هذه الجنات، والإسراع يعني إلى موجبات الدخول في الجنة؛ كالقيام بالعمل الصالح، والإيمان وطاعة الله ورسوله.
جنة عرضها السموات والأرض: عرضها السموات السبع والأرض، فما طولها؟ لا يعلمه إلا الله.
{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}: اللام: لام الاختصاص، والاستحقاق (الملكية). أعدت: هيئت وأحضرت، فهي الآن موجودة ومخلوقة، وتنتظر أهلها.
المتقين: جمع متقٍ، والمتقي هو من أطاع أوامر الله، وتجنب ما نهى الله عنه.
ولا بد من مقارنة هذه الآية (١٣٣) من آل عمران مع الآية (٢١) من سورة الحديد؛ لنرى الكثير من الفروق:
آل عمران (١٣٣): {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
الحديد (٢١): {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
الاختلاف الأول: آية سورة آل عمران: تخاطب المتقين، وتحثهم بأن يسارعوا إلى مغفرة من ربهم وجنة.
بعد أن طلب منهم التقوى: {فَاتَّقُوا}، وطاعة الله ورسوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
وبدأ بواو العاطفة.
آية سورة الحديد: تخاطب الذين آمنوا بالله ورسله، وهم أقل درجة من المتقين في الإيمان.
ولكن الذين آمنوا بالله ورسله أكثر عدداً من المتقين، وتحثهم على المسابقة إلى مغفرة من ربهم وجنة بعد أن بين لهم أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة.
الاختلاف الثاني: في آية سورة آل عمران: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
في آية سورة الحديد: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض أوسع، أو أكبر من الجنة التي عرضها السموات والأرض؛ لأن السماء أوسع وأكبر من السموات، فالسماء تشمل السموات السبع وغيرها.
وبما أن عدد الذين آمنوا بالله ورسله أكثر من المتقين فهم يحتاجون إلى مكان أوسع، ولذلك ناسبهم قوله تعالى: كعرض السماء والأرض.
والمتقون أقل عدداً ناسبهم جنة عرضها السموات والأرض (أقل مساحة من السماء والأرض).