سورة الشورى ٤٢: ٤٨
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ}:
{فَإِنْ}: الفاء عاطفة، إن شرطية تفيد الاحتمال أو الافتراض.
{أَعْرَضُوا}: عن الاستجابة لله وللرسول، أعرضوا عن الإيمان بالله واختاروا طريق الضّلال، أعرضوا عن طاعة الله ورسوله.
{فَمَا}: الفاء رابطة لجواب الشّرط، ما: النّافية.
{أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}: أو موكّلاً بهم ومسؤولاً عنهم وعن إيمانهم وهدايتهم، أو تحفظ أعمالهم وتحصيها عليهم؛ لتحاسبهم عليها.
{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}: إن نافية بمعنى: ما عليك إلا البلاغ، و (إن) أقوى نفياً من (ما)، إلا: أداة حصر. البلاغ: يعني إيصال الرّسالة؛ أي تبليغهم ما أنزل إليهم من ربهم وتبيين ذلك؛ لكي يفهموه كقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} البقرة: ٢٧٢، وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} الرّعد: ٤٠، ثمّ يضرب لنا مثلاً على إعراض الإنسان عن ربّه وكفره لمجرد الابتلاء، وينسى كلّ النّعم الّتي أنعمها الله عليه.
{وَإِنَّا إِذَا}: إنّا للتعظيم، إذ: شرطية تفيد حتمية الحدوث؛ أي لا بدّ أن يحدث هذا الأمر: هو الابتلاء وتفيد الكثرة؛ أي: حدوثه بكثرة.
{أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً}: الإنسان: اسم جنس يشمل المفرد والمثنى والجمع؛ الإذاقة تكون في الخير والشّر، وأنعمنا تكون في الخير فقط، والإصابة: تكون في الحسنة أو السّيئة، رحمة: نكرة تشمل أيّ رحمة، والرّحمة تعريفها: جلب ما يسرّ ودفع ما يضرّ، مثل الصّحة والغنى والأمن والأهل والجاه. وتقديم منّا: للاهتمام، منّا رحمة: هنا الرّحمة تشمل المؤمن والكافر، ولو قال من لدنّا أو من عندنا، لكانت تعني فقط المؤمن أو المقرّبين، (هذا من خصائص القرآن).
{فَرِحَ بِهَا}: ونسي شكر المنعم، وانشغل بها. ارجع إلى سورة هود آيتين (٩-١٠) لمزيد من البيان. وهذ الآية جاءت في سياق الإنسان (حالة فردية) بينما أذقنا الناس (حالة عامة)، ويستعمل إذا الحتمية الحدوث والكثرة، ويستعمل إن للاحتمال أو الشك في الحدوث كما رأينا في سورة هود آية (٩) {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً}.
{وَإِنْ}: إن شرطية تفيد الاحتمال أو الافتراض والنّدرة.
{تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}: سيئة من بلاء وفقر ومرض وجدب، وخسارة أو خوف أو جوع، سيئة؛ أي: تسيء إلى أنفسهم، يكرهونها ولا يطيقونها، بما: الباء سببية أو بدلية ما بمعنى الّذي، قدّمت أيديهم من الذّنوب والخطايا.
{فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ}: الفاء رابطة لجواب الشّرط، إنّ: للتوكيد، الإنسان كفور: اسم فاعل من كفر، وصيغة مبالغة في الكفر؛ أي: كثير الكفر، والجحود بالنِّعم، وينسى كلّ النِّعم السّابقة, ومقارنة كفور بكفار, كفار: تفيد التجدد والتكرار, وكفور: تعني الثبات والدوام, وليس بعد كفور أشد من ذلك.
انتبه إلى هذا التّدرّج في الكفر والظّلم: ففي هذه الآية (٤٨) من سورة الشّورى قال سبحانه: {فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ} في سياق الإصابة بالسّيئة، وفي سورة إبراهيم الآية (٣٤) قال سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}: إنّ الإنسان لظلوم كفّار جاءت في سياق الجحد بنِعم الله الكثيرة، وكفّار أبلغ من الكفور.
وفي سورة الزّخرف الآية (١٥) قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} جاءت في سياق الإشراك بالله، وفي سورة الإسراء الآية (٦٧) قال سبحانه: {وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} جاءت في سياق النّجاة من الغرق والإعراض عن الله تعالى، فهو سبحانه يؤكّد في بعض الآيات بإنّ وأحياناً بإنّ واللام، وكفور وكفّار حسب السّياق.
ولمقارنة قوله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، وقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} ارجع إلى الآية السّابقة (٣٠) من سورة الشّورى.