سورة الشورى ٤٢: ٥٢
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}:
{وَكَذَلِكَ}: أي كما أوحينا إلى سائر الرّسل من قبلك، أوحينا إليك. ولمعرفة معنى (أوحينا إليك): ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٣).
{رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}: أوحينا إليك قرآناً بأمرنا من شأننا سمّاه (روحاً) فهو الرّوح الحقيقة أو الرّوح الثّانية للإنسان، ويمكن القول: إنّ للإنسان روحين: روح تسري في بدنه وتنفخ فيه حين تشكّله في الرّحم، وروح تحيي القلوب وتهدي إلى خالقها ومبدعها، هذه الرّوح الّتي يغفل عنها كثيرٌ من النّاس وتتمثل في القرآن الكريم.
{مَا كُنْتَ}: ما: النّافية، كنت: قبل الإيحاء إليك، تدري ما الكتاب: تعرف ما القرآن.
{تَدْرِى مَا الْكِتَابُ}: ما استفهامية، ما القرآن، وسمّي الكتاب؛ لأنّه مكتوب في الأسطر. تدري: من درى؛ بمعنى: علم، وهناك فرق بين الدراية، والعلم؛ العلم: أعم من الدراية، فالدراية: تكون بمنزلة الإخبار، وتكون بعد الجهل بالشيء، ولذلك لا تستعمل في حق الله تعالى، أما علم أو العلم: يستعمل في حق الله وغيره.
{وَلَا الْإِيمَانُ}: لا النّافية للجنس؛ أي: ولا تدري؛ أي: تعلم الإيمان بالقول والفعل؛ أي: الشّرائع والتّوحيد والأحكام الرّبانية.
{وَلَكِنْ}: حرف استدراك للتوكيد.
{جَعَلْنَاهُ}: أي القرآن الكريم.
{نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}: به: أي القرآن؛ لأنّه يهدي من الظّلمات إلى النّور، من نشاء: من ابتدائية؛ أي: من نريد والمشيئة تأتي قبل الإرادة، من عبادنا: المؤمنين، من بعضية.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِى}: إنك، واللام للتوكيد، الخطاب موجّهٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تهدي هداية عامة؛ أي: ترشدهم إلى، وتبين لهم طريق الهداية أو الحق والخير، هداية دعوة أو هداية دلالة، أمّا هداية الله سبحانه فهي هداية خاصة هداية عون؛ أي: هو سبحانه يدخل الإيمان في قلوبهم، ولست أنت، وهذا يفسر لنا قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ} القصص: ٥٦.
{إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: أي تهدي إلى دين الله الإسلام، الصّراط المستقيم الّذي لا اعوجاج له. ارجع إلى سورة الفاتحة الآية (٦) والآية (٧) لمزيد من البيان.