سورة الأحقاف ٤٦: ٩
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}:
{قُلْ}: يا رسول الله للذين كفروا:
{مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}: ما النّافية، وانظر كيف تكررت ما النافية في هذه الآية ثلاث مرات لتوكيد النفي، والإشارة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو رسول قد خلت من قبله الرسل، وأنه لا يعلم الغيب، وما هو إلا وحي يوحى، والأمر كله لله سبحانه؛ بدعاً من الرّسل: رسولاً جديداً أو مخترعاً شيئاً جديداً، أي: النّبوة، فقد سبقني الكثير من الرّسل إليها، ورسالتي هي إحدى الرسالات.
{وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ}: وما النّافية لتوكيد النّفي، أدري، ما: اسم موصول أو استفهامية، أي: وما أعلم الغيب إلا ما يوحى إلي، وما أدري: أعلم بأي وسيلة ما يُفعل بي ولا بكم في الدّنيا ولا في الآخرة، وما أدري ما سيحل بي أو بكم هل أبقى في مكة أو أخرج منها أو أقتل أو أموت، وهل ستعجل لكم العقوبة أو تمهلون.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ}: إن النّافية أقوى نفياً من ما، أيْ: ما أتبع إلا ما يوحى إليَّ إلا تفيد الحصر، أيْ: أتبع فقط ما يوحى إليّ من ربي، ولذلك قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} النّجم: ٤-٥، ولمعرفة معنى الوحي ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٣).
{وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: ما النّافية، أنا إلا أداة حصر، نذير مبين: الإنذار هو الإعلام من التّحذير والتّخويف إعلان مقترن بتهديد، نذير مبين: منذر لكلّ فرد منكم، مبين: تام الإنذار لا أخفي منه شيئاً، نذير صيغة مبالغة، أيْ: وكثير الإنذار، نذير لأمتي وللناس كافة ونذير لمن خالف منهج الله تعالى.
لنقارن هذه الآية (٩) من سورة الأحقاف وهي قوله: {وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، والآية (١١٥) من سورة الشّعراء وهي قوله: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}:
آية الأحقاف جاءت في سياق الدّعوة والحوار، وآية الشّعراء جاءت في سياق التحدي والمحاربة والتّكذيب للرسل، ولذلك استعمل (إن) الأشد نفياً من (ما) في سورة الشّعراء.