سورة الأحقاف ٤٦: ٣٥
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}:
بعد تقرير البعث والتّوحيد يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالصّبر فيقول له:
{فَاصْبِرْ}: الفاء للتوكيد.
{كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}: الكاف للتشبيه، ما اسم موصول كما صبر أصحاب العزم والثّبات والحزم وهم أصحاب الشّرائع أمثال نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصّلاة أجمعين، وقد ذكرهم الله سبحانه في سورة الأحزاب الآية (٧) فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} وهذا هو الأرجح، من الرّسل: من للتبعيض، ولا ننسى غيرهم من الرّسل، وهناك من قال: من للتبيين لا للتبعيض، تعني: كلّ الرّسل.
{وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}: لا النّاهية، لهم: اللام لام الاختصاص لهم خاصة، أيْ: لكفار قريش وغيرهم؛ أي: لا تظن أن تأخير العذاب عنهم هو خير لهم.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ}: من العذاب، ما تعني: الّذي يوعدون.
{لَمْ يَلْبَثُوا}: لم النّافية، يلبثوا: من اللبث: الإقامة لزمن محدَّد (أيْ: كأنّهم حين يرون ما يوعدون في الآخرة من العذاب يشعرون أنّهم لم يقيموا في الدّنيا أو يلبثوا فيها إلا ساعة واحدة من نهار.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{سَاعَةً مِنْ نَّهَارٍ}: ساعة، تعني: أيَّ ساعة من نهار، ليست ساعة محدَّدة.
{بَلَاغٌ}: أيْ: هذا القرآن وما فيه من الآيات والنذر والتعاليم بلاغ من الله تعالى إلى خلقه، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ} إبراهيم: ٥٢.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِى هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} الأنبياء: ١٠٦، والبلاغ مصدر بمعنى التّبليغ، والتّبليغ: هو إيصال الرّسالة وإفهام النّص إلى الّذين أرسل إليهم.
{فَهَلْ}: الفاء للتوكيد، هل: للاستفهام ويفيد النّفي.
{يُهْلَكُ}: الهلاك نقض البنية والموت. ارجع إلى سورة الأعراف آية (٤) لبيان معنى الهلاك.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}: الخارجون عن طاعة الله العاصون مع الإصرار على الكفر والشّرك، القوم: اسم للجنس يشمل كلّ من فسق. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٦) لمزيد من البيان في معنى الفاسقين.