سورة محمد ٤٧: ٢٠
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ}:
بعد أن ذكر حالة من يستمع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبثاً أو استهزاءً، وبعد أن يخرج من عنده يسئل الّذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً فكأنهم لا يسمعون.
يَذكر نوعً آخرَ من الّذين في قلوبهم مرض حين يسمعون آيات الجهاد وكيف يكون شأنهم وحالهم.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا}: من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقولُ: بصيغة المضارع تدل على تجدُّد قولهم وتكراره.
{لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}: لولا: للتمني والحصر، أي: يتمنى المؤمنون حقاً أن يشرع الله الجهاد حتى يدافعوا عن أنفسهم وأهليهم وعن دين الله وإعلاء كلمة الله.
نزلت سورة تبيح لنا الجهاد أو القتال في سبيل الله، نزلت سورة: أي: سورة خاصة بنا، نزلت علينا.
{فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ}: إذا: ظرفية شرطية، أنزلت ولم يقل: نزلت فما هو الفرق بين نزلت وأنزلت، أنزل: أي: بشكل عام، أي: يفرض فيها القتال على جميع المؤمنين بينما نزلت: بشكل خاص بهم فقط، أي: من يتمنون الجهاد فئة خاصة.
ونزلت: تدل على تكرار دعواهم وطلبهم بإنزال سورة، وأما أنزلت: فتدل على مرة واحدة أنزلت وانتهى الأمر بفرض الجهاد.
إذا ظرفية شرطية تفيد حتمية الحدوث.
{مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}: محكمة: واضحة لا شبهة فيها ولا احتمال، ومحكمة وتعني: غير منسوخة، وذكر فيها القتال: أي: أُمر أو فرض فيها القتال أو دعت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى.
{رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}: أي: مرض النّفاق أو الشّك أو ضعف الإيمان.
{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}: أي: خافوا وزلزلوا ودب الرّعب في قلوبهم وأصبحت أعينهم تنظر إليك تدور كعيون المحتضر الذي لا أمل له في الشّفاء. ونظر المغشي عليه من الموت، أي: الذي يفارق الحياة تراه لا يتحكم بحركة عينيه، فإذا أدرت رأسه إلى اليمين ترى عينيه تتحرك إلى اليسار، وإذا أدرت رأسه إلى اليسار ترى عينيه تتحركان إلى اليمين، أي: إلى الجهة المعاكسة، ويقال لهذا في عالم الطب منعكس عيني الدُمية ويدل على إصابة جذع النخاع الشوكي للدماغ.
وهذه آية من آيات الإعجاز العلمي في القرآن.
{فَأَوْلَى لَهُمْ}: أي: أجدر بهم وأحرى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض، وأفضل لهم بدلاً من أن ينظرون نظر المغشي عليه من الموت، أي: من الخوف من القتل أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.