سورة البقرة ٢: ٣٨
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:
{قُلْنَا}: اللفظ، بلفظ التعظيم، {قُلْنَا}: لهم، بعد التوبة، وقبولها: {اهْبِطُوا مِنْهَا}؛ هذا هو الهبوط الثّاني، وهو هبوط من مكان عال إلى مكان أسفل، والذي يدل على أنه هبوط من مكان عال إلى مكان أسفل، هو استعمال منها، بينما في هبوط المنزلة، لم يستعمل منها، وهذا الهبوط كان بعد التوبة، وهو أخف شدة من الهبوط الأول، الذي حدث بعد المعصية، فالهبوط الأول الذي ذكر في الآية (٣٦)، كان هبوط منزلة، ودرجة، وحدث بعد المعصية، وهو أشد، جاءت الواو للأهمية، مصاحبة لقوله: وقلنا، بينما في هذه الآية جاءت قلنا، من دون واو.
ومن المفسرين؛ من يقول: إن الهبوط الثّاني، هو نفسه الهبوط الأول، وأعيدت كلمة {اهْبِطُوا}؛ للتوكيد.
{اهْبِطُوا مِنْهَا}؛ من الجنة، {جَمِيعًا}: الخطاب لآدم، وزوجته، وإبليس.
{جَمِيعًا}: للتوكيد.
{فَإِمَّا}: للتفصيل، والتوكيد، أصلها: فإن زائد ما والفاء في فإن؛ تفيد التّوكيد، إن: شرطية، وما: للتوكيد، وأدغمت النون في ما، فأصبحت؛ {فَإِمَّا}.
{يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى}: رسول أبعثه إليكم، أو كتاب أنزله عليكم.
{فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ}: الفاء: للتوكيد.
من: شرطية، {تَبِعَ} أوامري، وتجنب نواهيَّ، ولم يتبع هواه، وخطوات الشيطان.
{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:
{فَلَا}: الفاء: للتوكيد، لا: النّافية.
{خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: الخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه؛ الحزن: أشد الهم؛ الحَزَن: يكون لأمر مضى؛ أي: فاتك شيء، تحبه وتتمناه، ولم تحصل عليه.
{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: هم يخافون الله سبحانه في الدنيا ويوم القيامة؛ لأن الكل يخاف الله يوم القيامة, ولا يصح أن يقال لا يخافون؛ فقد قال تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} النور: ٣٧, وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} الإنسان: ١٠ فهم يخافون، ولكن الله وعدهم الأمن يوم القيامة بعد أن تبشرهم الملائكة تطمئن قلوبهم, ويذهب عنهم الخوف, وأما غيرهم فلم ينفي عنهم الخوف.
{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: وقدَّم {هُمْ} على {يَحْزَنُونَ}: لنفي الحزن عنهم خاصة، ولأنّ غيرهم من الكفرة، سوف يحزنون، وهناك فرق بين الحَزن: بفتح الحاء، والحُزن بضم الحاء. ارجع إلى سورة فاطر آية (٣٤) للبيان، أو سورة الأنعام آية (٣٣), ولا هم يحزنون أما غيرهم من الأبناء والأقارب قد يحزن عليهم بعد موتهم, وجاء بصيغة المضارع يحزنون لنفي الحزن المتجدد عليهم.
قدَّم الخوف على الحزن، وقال: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ لأن الخوف أعم وأهم من الحزن.
وتكرار لا، تفيد التّوكيد، وفصل الخوف عن الحزن؛ أي: لا هذا، ولا ذاك، ولا كلاهما معاً.
وإذا قارنا هذه الآية: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. وقوله في سورة طه الآية (١٢٣): {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}:
ففي آية سورة البقرة {تَبِعَ}، فيها تخفيف، {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وجاءت في سياق الآخرة.
أما في آية سورة طه {اتَّبَعَ}، فيها تشديد، {فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}، جاءت في سياق الدّنيا والآخرة، فيها مبالغة، بالاتباع؛ لأنّ الضّلال؛ لا يحصل إلَّا في الدّنيا، والشقاء؛ يحصل في الدّنيا والآخرة.
ولذلك شدد في آية سورة طه؛ لأنّ الآية تتضمن أمرين: مجاهدة الضّلال، والفوز بالآخرة، ولذلك شدد على اتباع هدي الله أكثر في آية سورة طه.