سورة الرحمن ٥٥: ٣٣
{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}:
{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ}: ياء النّداء للبعد، معشر الجن والإنس: أي: الثّقلين.
{إِنِ}: شرطية تفيد الاحتمال والشّك.
{اسْتَطَعْتُمْ أَنْ}: أن: حرف مصدري يفيد التّعليل.
{تَنْفُذُوا}: تخرقوا يقال: نفذ المسمار في الخشب، أي: خرق إلى الجهة الأخرى، أيْ: خرق الخشب وظهر من الجهة المقابلة.
{مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: القطر هو الخط الواصل من أحد الأطراف إلى الطّرف المقابل مروراً بالمركز، أقطار السّموات: لنفرض فقط أننا نتحدث عن مجرَّتنا التي يطلق عليها مجرة التّبانة، فقطرها الأكبر يقدَّر بحوالي مئة ألف سنة ضوئية على أقل تقدير، ويقدَّر قطرها الأصغر بـ (١٠) آلاف سنة ضوئية على أقل تقدير، فإذا فرضنا أنّ الإنسان عنده مركبة فضائية بسرعة الضّوء ويركب فيها ليقطع أقصر قطر لمجرة التّبانة التي هي واحدة من مليارات المجرات. فهو يحتاج إلى مدة تصل (١٠) آلاف سنة من سنيننا، وهي تجري بسرعة الضوء.
وهذا مستحيل؛ لأنّ عمر الإنسان مهما طال (٨٠-١٠٠سنة)، مثال: صعوده إلى القمر لم يتجاوز ثانية ضوئية واحدة، فلكي يخرج الإنسان من أقرب الأقطار إلى الأرض، فإنّه يحتاج على الأقل إلى (٢٠) ألف سنة، وهو يتحرك بسرعة الضّوء كي يخرج من أقطار مجرتنا، وهل يمكن للإنسان أن يحيا (٢٠) ألف سنة، حتى ولو كانت سنة غير ضوئية، حتى عالم الجن الذي هو أقوى من عالم الإنس يستحيل عليه التّفكير بذلك لوجود الأشعة القاتلة للخلايا الحية، وهي بمثابة النّار التي لا دخان لها.
أمّا بالنّسبة لأقطار الأرض وبما أنّ الأرض بيضاوية الشّكل متوسط قطرها الاستوائي (١٢٧١٣كم)، ورغم التّطور في أجهزة الحفر بحثاً عن النّفط والغاز، فإنّ الإنسان حتّى اليوم لم يتجاوز عمق (١٣كم) من قطرها (١٢٧١٣كم)، وهذا يمثل (١%) من قطرها، وكلما ازداد الحفر يقابله ازدياد في الضّغط وارتفاع درجات الحرارة إلى درجات عالية قد تؤدِّي إلى صهر تلك الأدوات وإثارة البراكين وخروج الحديد ومعادن الأرض السّائلة في طبقاتها القريبة من المركز.
إذن هذه الاكتشافات العلمية تدل على استحالة النّفاذ من أقطار السّموات والأرض، وتؤيِّد ما جاء في هذه الآية الكريمة التي تتحدَّى كلّاً من الجن والإنس بالنّفاذ من أقطار السّموات والأرض.
{فَانفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}.
{فَانفُذُوا}: فيها تحدٍّ للإنسان ودعوة من الله سبحانه للإنس والجن أن ينفذوا إن استطاعوا ليتعرفوا إلى قدرة الله سبحانه، وذلك بغزو الفضاء والوصول إلى القمر أو إلى المريخ أو الدّوران حول الأرض والوصول إلى الكواكب الأخرى.
وهذا النفاذ البسيط الجزئي الذي لا قيمة له عند الله، ولن يتحقق إلا بسلطان.
{بِسُلْطَانٍ}: الباء للإلصاق، أي: الإلزام والسلطان: هو الله سبحانه؛ لأنه العليم القدير مصدر السلطان وحده، لا تنفذون إلا بسلطان، وليس السلطان هو سلطان العلم فقط، وإنما الله وحده الذي يوفِّق ويعلِّمُ عباده ما يشاء، وهذا النفاذ هو نفاذ من جزء ضئيل جدّاً جدّاً ومحدود لا يتعدَّى ولا يقترب حتى من السماء الأولى، فما بالك بأقطار السموات والأرض، فنصف قطر الأرض كما قلنا يقدَّر بحوالي (١٣٠٠٠كم) لم يخترق الإنسان منه إلا (١٣كم) فقط، أيْ: ما يساوي أقل من (١%)، ويحتاج إلى (٢٤) ألف مليون سنة ضوئية ليصل إلى أبعد نقطة في السماء الدنيا فقط، فما بالك بالسموات السبع؟!