سورة آل عمران ٣: ١٩٨
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ}:
بعد ذكر الذين كفروا وتقلُّبهم في البلاد، ومأواهم جهنم وبئس المهاد، يذكر بالمقابل الذين اتقوا ربهم.
{لَكِنِ}: حرف استدراك، وتوكيد.
{الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ}: أطاعوا أوامره، وتجنبوا نواهيه.
{لَهُمْ}: اللام: لام الاختصاص والاستحقاق.
{جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: تنبع من تحتها الأنهار، أنهار الجنة.
{خَالِدِينَ فِيهَا}: الخلود يعني: استمرار البقاء من وقت مبتدأ؛ أي: الخلود له بداية، وهو يوم دخولهم الجنة، وليس له نهاية.
{نُزُلًا مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ}: النزل: ما يهيأ ويعد لإكرام الضيف من مأكل، ومشرب، ومبيت؛ أي: إكراماً من عند الله.
{وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ}: وما هيأ الله سبحانه، وأعد لضيوفه المتقين هو خير للأبرار.
ولم يبيِّن في هذه الآية ما نوع ما عند الله للأبرار، ولكن بيَّنه في آيات أخرى، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ}، وكذلك اللحم، والفواكه، والحور العين، والسرر، والذهب، والفضة، وما عند الله خير للأبرار مقارنة بما يكسبه هؤلاء الكفار في تقلُّبهم في البلاد من تجارة، وسعة، ورغد العيش فقط في الدنيا، وليس لهم في الآخرة من خَلاق.
وإذا قارنا هذه الآية (١٩٨)، مع الآية (١٩٥) من نفس السورة:
فالآية (١٩٥): {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}.
والآية (١٩٨): {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ}.
نجد أولاً: أن الذين هاجروا، وأخرجوا هم جزء من المتقين المذكورين في الآية (١٩٨)، فالآية (١٩٨): أعم وأشمل من الآية (١٩٥).
ثانياً: الآية (١٩٨) قال تعالى: {لَهُمْ جَنَّاتٌ}: فيها تمليك اللام: لام الاختصاص، والتمليك مقارنة بالإدخال: {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ} في الآية (١٩٥).
وخالدين فيها، ولم يذكر خالدين فيها في الآية (١٩٥).
ونزلاً من عند الله، أفضل من ثواباً من الله، كما في الآية (١٩٥).
فالأبرار المذكورون في الآية (١٩٨) أعلى درجة ومكانة من المذكورين في الآية (١٩٥).