سورة المجادلة ٥٨: ٧
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}:
{أَلَمْ}: الهمزة للاستفهام والتّقرير.
{تَرَ}: الرّؤية هنا رؤية فكرية عقلية، وهذا أسلوب من أساليب البيان، فالله سبحانه يخبرك أو يُعلمك بذلك، ولكنه سبحانه يريد أن تكون الإجابة من العبد؛ أي: إقراراً من العبد لإقامة الحجة عليه، ولا يريد أن تكون بصيغة الخبر والإنشاء، ولكن بصيغة الاستفهام؛ لأنّها آكد وأقوى في النّفس، وإذا قال سبحانه لنا: ألم تر، أو: أولم تروا ذلك الشّيء، وكان ذلك الشيء معنوياً غير حسياً؛ يعني: ألم تفكر أو تفكروا، والرؤية هنا فكرية قلبية، وأما إذا كان الشيء حسياً فتكون الرؤية حسية بصرية، وتكون رؤية الله سبحانه أفضل من رؤية أعيننا، وهي تعتبر رؤية بعين اليقين، فلا نحتاج نحن أنفسنا إلى رؤية ذلك؛ لأننا نؤمن بالله وما يخبرنا حق وصدق ورؤيته سبحانه تكفينا، وإذا رأينا ذلك نراها كما أخبر الله سبحانه بها.
{أَنَّ اللَّهَ}: أن: للتوكيد.
{يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ}: السبع. (ما): تشمل من العاقل وغير العاقل، وما في السموات ذاتها وما فيها؛ أي: وما تحتويه.
{وَمَا فِى الْأَرْضِ}: وما في الأرض ذاتها وما تحتويه، وتكرار (ما) في للتوكيد وفصل كل منهما عن الآخر أو كلاهما معاً، ومن الأشياء التي يعلمها سبحانه السّر والنّجوى.
{مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى}: ما النّافية، يكون من نجوى: من استغراقية، نجوى: تعريفها: هي حديث السّر أو الخفي بين اثنين أو أكثر بحيث لا يسمعهم البقية ممن هم حاضرو مجلسهم، مثال: هناك ثلاثة أفراد يتناجى اثنان دون الثّالث؛ أي: ألغوه من المشاركة فكأنّك ترفع من تناجي عن غيره، لأنّ النّجوى أصلها الرّفعة ومشتقة من النّجوة من الأرض (أي الأرض المرتفعة) أو أصلها البعد؛ لأنّ القريب يصعب عليه سماع الكلام فكأنّه صار بعيداً. ولنعلم أن السر أعم من النجوى، وأشد خفاء من النجوى؛ لأن النجوى قد يطلع عليها عدة أفراد، أما السر لا يعلم به إلا صاحبه، والله يعلم بكل شيء النجوى والسر وما هو أخفى من السر.
{ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}: والنّجوى لكي تحصل لابدّ من ثلاثة على الأقل، اثنان يتناجيان والثّالث محروم من النّجوى، (المشاركة في الحديث) أو سماعه، إلا: أداة حصر، هو: تعود على الله سبحانه واجب الوجود، وهو رابعهم، يسمع ويرى كل ما يحدث.
{وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ}.
{وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ}: أدنى من ثلاثة اثنين ولا أدنى من خمسة؛ أي: ثلاثة أو أربعة.
{وَلَا أَكْثَرَ}: من ثلاثة؛ أي: أربعة أو خمسة أو أكثر.
{إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ}: سبحانه معهم بعلمه وقدرته، ولا تعني بذاته، أينما كانوا.
{ثُمَّ}: للترتيب والتّراخي.
{يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: بما عملوا في الدّنيا من النّجوى وغيرها من الأقوال والأفعال.
{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}: إنّ للتوكيد، بكلّ: الباء للإلصاق، شيء عليم: عليم: صيغة مبالغة؛ أي: كثير العلم؛ أي: سبحانه مطّلع على بواطن الأمور وظواهرها لا تخفى عليه خافية في السّموات ولا في الأرض، أحاط علمه بخلقه وكونه فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض.
وأمّا الفرق بين النّجوى والسّر: فالسّر هو تكتّمه في نفسك ولا تُطلع عليه أحداً.