سورة الممتحنة ٦٠: ١
سورة الممتحنة
ترتيبها في القرآن (٦٠) وترتيبها في النّزول (٩١).
الممتحِنة بكسر الحاء: أي: المرأة التي تعطي الامتحان مثل المديرة أو المعلمة.
الممتحَنة بفتح الحاء: أي: المرأة التي تأخذ الامتحان (تُمتحَن) كما رجح الحافظ ابن حجر، وقال ابن عباس، والواحدي في أسباب النزول: نزلت في سُبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من كتابة صلح الحديبية.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}:
أسباب النّزول: نزلت هذه الآية بسبب كتاب حاطب بن أبي بَلتَعة إلى أهل مكة بعد صلح الحديبية بعد أن نكثت قريش العهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استشار رسول الله بعض الصّحابة بالخروج إلى قريش وطلب منهم ألا يخبروا أحداً بذلك، ولكن حاطب بن بلتعة رضي الله عنه- ممن شهد بدر وهاجر مع رسول الله- كتب رسالة يخبر بها قريشاً بما ينوي به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الرّسالة إلى امرأة هي سارة مولاة لبني عبد المطلب أتت المدينة في حاجة، فدفع إليها حاطب بالرّسالة، وأخبر الله سبحانه رسولَه بما فعل حاطب بن أبي بلتعة، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّاً والزّبير والمقداد لملاقاة تلك المرأة وأخذ الرّسالة منها، وحصل ذلك ودعا رسول الله حاطب بن أبي بلتعة وسأله عما حدث، فاعترف بذنبه، وبيَّن سبب فعلته هذه أنّ له بين أظهرهم (قريش) ولد وأهل، وأراد عمر بن الخطاب ضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عفا عن حاطب بن أبي بلتعة، ونزلت هذه الآية. كما ذكر الواحدي في أسباب النزول.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد للذين آمنوا بتكليف جديد، والهاء للتنبيه.
{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}: لا النّاهية، تتخذوا: تجعلوا أو تصيروا، عدوي: (أيْ: عدو الله) وهو من لم يؤمن بالله وما أنزل وبرسوله، أي: الكفار والمشركين.
وعدوكم: من قاتلكم وخانكم أو ظاهر عليكم، أولياء: جمع وليٍّ، أي: أعوان ونصراء.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}: الإلقاء هنا بمعنى الإرسال: ترسلون إليهم لتخبروهم بأسرار المسلمين وأخبار النّبي -صلى الله عليه وسلم-، بالمودة: الباء للإلصاق والمودة: هي المحبة والإخلاص والوفاء، وكل مودة محبة، وليس كل محبة مودةً، فالمودة تبدأ بالمحبة، ثم تتحول إلى مودة، أيْ: تتخذونهم بطانة وأولياء وتسرون إليهم وتنصحونهم.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}: وقد: الواو للتوكيد، قد للتحقيق، كفروا بما جاءكم من الحق: أيْ: كفروا بالقرآن الكريم وآياته وأحكامه وما جاءكم من ربكم، ولم يؤمنوا به أو يصدِّقوه، أيْ: جحدوا به وكذبوه، والباء للإلصاق والملازمة، ما اسم موصول بمعنى الذي جاءكم أو مصدرية. و (ما) أوسع شمولاً من (الذي).
{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}: من مكة بالتّضييق عليكم ومحاربتكم وجاءت بصيغة المضارع للدلالة على حكاية الحال، أيْ: وكأن الإخراج يحدث الآن أمام الأعين.
{أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}: أن مصدرية تفيد التّعليل والتّوكيد، أيْ: لأجل أو بسبب أنكم آمنتم بالله ربكم.
{إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِى}: إن: شرطية تفيد الاحتمال والشّك والنّدرة؛ كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي: لا تفعلوا ذلك؛ أي: تلقوا إليهم بالمودة؛ أي: تخبروهم بأسراكم؛ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء؛ أيْ: إن كنتم خرجتم من أوطانكم للجهاد في سبيلي وطلباً لمرضاتي لا تتخذوهم أولياء أو لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}: تسرون إليهم بالإخبار بسبب مودتكم إياهم.
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ}: من المودة للكفار، من إرسال الرّسائل أو النّوايا والأعمال والحيل والمكر، وما أعلنتم: بألسنتكم من الصّدق والكذب والحق والباطل، وما أخبرتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأسباب والباء للإلصاق، وما: اسم موصول أو مصدرية ومن شرطية.
{وَمَنْ يَفْعَلْهُ}: يعود على الاتخاذ، أيْ: يوادد أعداء الله ورسوله ويفشي إليهم بالإسرار أو يَسر إليهم بالمودة.
{مِنكُمْ}: خاصة، وليس من غيركم.
{فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}: فقد: الفاء للتوكيد، قد: للتحقيق، أخطأ طريق الصّواب والحق، السّواء هو في الأصل الوسط والسّبيل هو الطّريق المستقيم.