سورة الممتحنة ٦٠: ٦
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}:
هذه الآية ليست تكراراً للآية (٤)، فالآية الرّابعة جاءت في سياق اتخاذ إبراهيم أسوة حسنة، ومثال للقدوة في التبرؤ من الشّرك والمشركين والتبرؤ من أبيه (عمه آزر وقومه)، وأمّا الآية السّادسة هذه فجاءت في سياق اتخاذ إبراهيم أسوة حسنة وقدوة صالحة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، أي: أسوة حسنة في الإيمان والطّاعة والاستعداد لليوم الآخر وتجنب المعاصي، والآية (٦) أشد توكيداً على أهمية اتخاذ إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه، ولذلك قدم إبراهيم والذين آمنوا معه على الأسوة؛ لأنَّ إبراهيم ومن معه هم الأهم والأسوة تابعة لهم أو ملحقة بهم؛ بينما في الآية (٤) قدَّم الأسوة على إبراهيم والذين معه، واستخدم للتوكيد (لقد) بدلاً من (قد)، وكان بدلاً من كانت.
{لَقَدْ}: اللام للتوكيد، قد للتحقيق.
{كَانَ لَكُمْ}: كان تشمل كل الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، وكان (بالتّذكير) أقوى من القول كانت (بالتّأنيث) لكم: اللام لام الاختصاص، أي: لكم خاصة.
{فِيهِمْ}: أي: إبراهيم والذين معه.
{أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: قدوة صالحة مثالية ومثل أعلى.
{لِمَنْ}: اللام للتوكيد.
{كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}: يؤمن بالله ويرجو لقاء ربه وحسابه وثوابه ومغفرته ويخاف ويخشى عذاب الآخرة وأهوال يوم القيامة.
{وَمَنْ يَتَوَلَّ}: من شرطية، يتول: أي: يذهب بعيداً ويصد عن الإيمان ويكفر بالله.
{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}: الفاء للتوكيد، إن: أيضاً لزيادة التوكيد، هو: للحصر والتوكيد، وأل التّعريف في الغني الحميد للتوكيد فجاءت الآية بأربع أدوات للتوكيد: الفاء وإن وهو وأل التّعريف، الغني: عن خلقه وعبادة خلقه لا يحتاج إلى غيره، بل هو المغني غيره، عنده خزائن السموات والأرض التي لا تنقص ولا تنفذ، غناه هو الغنى المطلق التّام ويرزق من غناه من يشاء بغير حساب، له ما في السموات وما في الأرض، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، الحميد: أي: المحمود من خلقه, أهل الثناء والحمد له الحمد كله؛ لأنّه يستحق أن يحمد لنعمه وفضله وإحسانه وكرمه ورزقه لعباده وخلقه، تحمده مخلوقاته حمداً دائماً لا ينقطع.
الحميد منذ الأزل على ذاته وصفاته وأفعاله وتدبيره ورحمته.