سورة الجمعة ٦٢: ٥
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}:
المناسبة: بعد أن أنكر اليهود بعثة ونبوّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- وأنكروا ما جاء فيها من البشارة بمحمّد، ولم يؤمنوا به أو ينتفعوا بتوراتهم، شبَّههم الله بالحمار الذي يحمل أسفاراً، فضربُ المثل غايته توضيحُ الغموض المجمل فحاملو التّوراة يماثلون أو يُشبهون الحمار في صفة واحدة هي الحمل.
{الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ}: أي كُلِّفوا أو أُمروا بتعلُّم التّوراة والعمل بها، ولم يقل الذين آتيناهم الكتاب أو أهل الكتاب؛ لأن في ذلك مدح لهم، وإنما الذين حملوا التوراة فيها معنى الذم وخاصة حين شبهوا بالحمار الذي يحمل أسفاراً.
{ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}: أي لم يتعلّموها ولم يعملوا بها، أو تعلّموا التّوراة ولكنّهم لم يعملوا بها؛ أي: يطبّقوها حيث كانت تصف لهم صفات هذا النّبي (محمّد) المبشّر به، والذي كانوا ينتظرونه، فلم يؤمنوا به ولم ينتفعوا بما في التوراة كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
فالتوراة تشبه الأسفار: والأسفار جمع سِفر، والسِّفر: الكتاب الكبير أو الكتب الكبار الجامعة للعلوم النّافعة، والمعنى الثّاني: الأسفار تعني الكتب الواضحة المعاني من السّفر، والقول: أسفر الصُّبح؛ أي: انكشف بنوره؛ أي: يكشف لهم الطّريق المستقيم، وسَفرت المرأة: إذا كشفت عن وجهها، والمعنى الثّالث: سفرت البيت: كنسته وأزلت عنه التّراب حتى تنكشف أرضه، فهو يكشف لهم ما يحتاجونه من علوم الدّين والمنهج.
والذين حملوا التوراة: أي اليهود حملوا التّوراة كمنهج ودرسوا التّوراة ولكنّهم لم يطبّقوها أو يستفيدوا منها، لم يعملوا بالأمانة ولم يوفوا بعهدهم، فشبّههم الله تعالى بالحمار الذي يحمل على ظهره الكتب، فهو لا يعلم ما فيها ولا يستفيد منها، أو لا يفهم ما يحمل على ظهره من صخر أو متاع أو كتب أو حاجات أخرى.
ولندرك أنّ الله سبحانه خلق الحمار للحمل وليس عليه واجب أن يدرك ما على ظهره من أحمال، فهم يشبهون الحمار في خاصيّة الحمل وليس بخاصيّة الغباء، والله سبحانه لا يطعن فيما خلق.
{بِئْسَ}: من أفعال الذّم.
{مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ}: أي كذبوا بآيات الله عز وجل الدّالة على صدق نبوة محمّد -صلى الله عليه وسلم-، ولم يؤمنوا به أو يفعلوا ما أمرهم الله به، أو كذَّبوا بآيات الله؛ أي: آيات القرآن وآيات التّوراة، وتكذيب أحدهما يكفي، فالذي يكذّب القرآن يكذّب التّوراة ولا يؤمن بها.
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: أي المشركين الظّالمين أنفسهم بتكذيب الأنبياء والرّسل وقتلهم الأنبياء بغير حق؛ أي: لا يهدي الله هؤلاء الذين اختاروا بأنفسهم طريق الضّلال والغواية والشّرك، فالله لا يهدي الظّالم ولا الفاسق وإنما يهدي المؤمن المتَّقي ومن سلك طريق الهداية، ولمعرفة معنى الظّلم ارجع إلى سورة البقرة: ٥٤.