سورة الملك ٦٧: ١٩
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ}:
{أَوَلَمْ}: الهمزة للاستفهام والتّقريع، والواو في أولم: لمطلق الجمع وتدل على المبالغة في إنكارهم.
{إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ}: جنس الطّير، فوقهم: في جو السّماء.
{صَافَّاتٍ}: من الصّف أيْ: صف الأجنحة وهو الأصل في الطّيران أيْ: تبسط أجنحتها للطيران أيْ: تمدها فتحملها الرّيح وجاء بالصّيغة الاسمية (صافات) التي تدل على الثّبوت، وتستطيع اختراق كتلة الهواء إلى الأمام وإلى الأعلى بصف الأجنحة.
{وَيَقْبِضْنَ}: من قبض الأجنحة للاحتفاظ بالتّوازن، والقبض عرض طارئ عبَّر عنه بالفعل المضارع الذي يدل على التّكرار والتّجدُّد حتّى يتمكن الطّير من التّوازن والصعود والارتفاع إلى أماكن أعلى.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ}: ما: النّافية، يمسكهن: في كلا الحالتين الصف والقبض والوقوع على الأرض، إلا الرّحمن: إلا: أداة حصر، الرّحمن: الذي سخر لهنَّ ما يحتجن للطيران ويمسكهنَّ من الوقوع على الأرض، فهذا من مظاهر رحمة الرّحمن, وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٧٩) في سورة النحل وهي قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ}: نجد أن آية النحل جاءت في سياق التسخير (لقوله تعالى مسخرات)، والتسخير: يعني التذليل والقهر, فذكر اسم الله تعالى الجامع لجميع صفاته، وفي آية المُلك ذكر فعل الطيران, وعدم سقوطها فهذا من الرحمة فذكر اسم الرحمن مع ذلك.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ}: إنّه: للتوكيد، بكلّ: الباء للإلصاق والمصاحبة.
كل شيء بصير: شيء نكرة تعني: أيَّ شيء مهما كان وأينما كان أحاط بصره بكلّ شيء في السموات والأرض وما بينهما.
فهذه البراهين الدّالة على قدرة الله تعالى من أنّه عليم بذات الصّدور، وجعل الأرض لكم ذلولاً، وسخر للطير ما يحتاجه للطيران، ويمسكها أن تقع على الأرض، وأنّه بكلّ شيء بصير تكفي وتؤكد أنّ الله قادر على خسف الأرض أو إرسال حاصباً أو إرسال عذاباً عليكم من فوقكم أو من تحت أرجلكم.