سورة النساء ٤: ٤٤
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}:
{أَلَمْ تَرَ}: الهمزة همزة استفهام، وإنكار، وتعجب، ألم تر: الرؤية هنا رؤية قلبية؛ أيْ: ألم ينته علمك إليهم، أو يصل خبرهم، أو قصتهم، أو العلم بهم، أو ألم تنظر إليهم.
{إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ}: الذين أوتوا: من الإيتاء: وهو أعم من العطاء، والإيتاء يشمل الأشياء المادية والمعنوية، ويمكن استرداده، وليس فيه تملك بعكس العطاء الذي فيه تملك؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٥١) للبيان المفصل والفرق بين الإيتاء والعطاء.
{نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ}: ولم يقل: آتيناهم الكتاب، أو أهل الكتاب التي فيها معنى المدح، أما الذين أوتوا نصيباً من الكتاب تدل على الذم؛ أيْ: حظاً، قسطاً من الكتاب، وهو التوراة، أو علم بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو تعني التعجب والتوبيخ على قلة علمهم، أو علمهم المحدود، أو تعني قلة تأثير التوراة في أنفسهم والعمل به.
وهم جماعة من اليهود أعطوا حظاً من القراءة، فعرفوا صحة الدِّين الإسلامي وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم-. ارجع إلى الآية، (٣٢) من نفس السورة لمزيد في معنى نصيباً من الكتاب.
{يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ}: يشترون الضلالة بالهدى: وهي البقاء على اليهودية بعد وضوح الحُجَّة على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ـ أو تعني: جحدوا بصفات محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونعوته في التوراة؛ للإبقاء على مركزهم بين قومهم ورياستهم.
ـ أو أعطوا رشاوى، وأموالاً كي يكذبوا بمحمد، وما جاءت به كتبهم بالإيمان به.
ـ كذبوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره:
{وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}: يريدون منكم أن تكفروا بما أنزل إليكم، {أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}: أي: الصراط المستقيم، وهو الإسلام.
والضلال: يعني: الابتعاد، وعدم الاهتداء، كما ضلوا عنه أنفسهم، فآمنوا ببعض الكتاب، وكفروا ببعض، وحرفوا كتابهم، واشتروا به ثمناً قليلاً. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١٩٨)؛ لمزيد من البيان.
{أَنْ تَضِلُّوا}: أن: حرف مصدري يفيد التوكيد.
وقوله: {يَشْتَرُونَ}: أو يريدون أفعال جاءت بصيغة المضارع، ولم يقل: اشتروا، أو أرادوا، وانتهى الأمر، بل جاء بصيغة المضارع؛ للدلالة على التكرار، والتجدد، والاستمرار في أفعالهم هذه التي هي ناجمة عن حسدهم لكم من بعد ما تبيَّن لهم الحق، أو تدل على بشاعة أفعالهم؛ كأنها تحدث الآن (بصيغة المضارع)، وهذا ما يسمَّى حكاية الحال.