سورة النساء ٤: ١١٦
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}:
سبب النزول: قيل: نزلت في حق طعمة بن أبيرق؛ لما هرب إلى مكة، ومات على الشرك وهذا قول الجمهور.
وقيل: كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : أن شيخاً من الأعراب جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني منهمك في الذنوب إلّا أني لم أشرك بالله منذ عرفته، وإني لنادم مستغفر، فما حالي؟ فنزلت هذه الآية.
وقيل: نزلت هذه الآية بعد نزول الآية: {قُلْ يَاعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الزمر: ٥٣.
ولا بد من مقارنة هذه الآية (١١٦) في سورة النساء مع الآية (٤٨) في نفس السورة لنجد تشابه الآيتين والاختلاف في نهاية كل آية؛ فالآية (١١٦) يقول الله تعالى: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، وأما الآية (٤٨) يقول الله تعالى: {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}؛ فالآية (٤٨): نزلت في سياق اليهود وتحريفهم للتوراة، وافترائهم على الله فكانت خاتمة الآية: {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، وأما الآية (١١٦): نزلت في سياق كفار مكة وضلالهم، وعبادة الأصنام فكانت خاتمة الآية: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
وتختلف نهاية هذه الآية عن الآية (٤٨) بقوله: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
{فَقَدْ}: فالفاء: رابطة لجواب الشرط. قد: للتحقيق، والتوكيد.
{ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}: ابتعد عن طريق الحق إلى غاية الابتعاد قليلاً ما يُرجى لصاحبه الاهتداء، والرجوع من الضلال. وضل: مصدرها الضلال، وأضل: مصدرها الإضلال، وضلالاً: جمعت المعنيين الإضلال والضلال، ومعنى ذلك: أن الشيطان يريد أن يضلهم، وأن يشاركوا هم بأنفسهم في الضلال، وأن يسلكوا سبل الضلال المختلفة.