سورة النصر ١١٠: ٣
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}:
{فَسَبِّحْ}: الفاء رابطة لجواب الشّرط، سبّح: من التّسبيح: وهو تنزيه الله عن كل شريك وولد وعيب ونقص، تنزيه الذّات والصّفات والأسماء. ارجع إلى سورة الإسراء آية (١) والتّسبيح سببه: تعجباً لدخول النّاس أفواجاً في دين الله، فحين ترى أمراً عجيباً من المفروض أن تسبِّح.
{بِحَمْدِ رَبِّكَ}: تسبيح مصحوب بالحمد، والشّكر لله؛ لأنه سبحانه نصر عبده وأعزّ جنده ودينه، وحقّق التّمكين للمؤمنين في الأرض بعد فتح مكة.
{وَاسْتَغْفِرْهُ}: الاستغفار هنا استغفار إنابة وكثرة الرجوع إلى الله، واستغفار النّبي -صلى الله عليه وسلم- أو الطلب منه الاستغفار لا يدل على ذنب، وإنما هو تقرُّب من الله وتواضع وذكر لله تعالى.
أي: رغم الفوز والنّصر ودخول الناس أفواجاً في دين الله على العبد أن يبقى متواضعاً لله تعالى، والاستغفار عبادة قلبية ولو لم يذنب العبد، وانتبه إلى قوله تعالى: "إنّه كان تواباً" ولم يقل إنّه كان غفاراً.
لأنّ غفاراً صيغة مبالغة؛ أي: كثير الغفر والغفران: وهو ستر الذّنب وترك العقوبة عليه والإثابة على الحسنات، وتوّاباً صيغة مبالغة تدل على كثرة قبول التّوبة.
وكلمة تواباً: تتضمن غفاراً؛ لأنّه سبحانه حين يقبل التّوبة يعني قَبِل الاستغفار، فتكون الآية فاستغفره إنّه كان توّاباً (أي: توّاباً وغفاراً) والاستغفار يسبق التّوبة، كما قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} هود: ٣.