سورة النساء ٤: ١٣٧
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}:
اختلفوا فيمن نزلت: قالوا نزلت في اليهود الذين آمنوا بالتوراة، وبموسى، ثم كفروا بالإنجيل، وبعيسى، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وبالقرآن، وقيل: هم المنافقون الذين آمنوا، ثم ارتدوا، ثم ماتوا وهم كفار.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}: لم تبين الآية من هؤلاء الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا، وذلك سواء أكانوا من المسلمين أم المنافقين أم اليهود أم النصارى، ويعني: آمنوا بهذا وكفروا بذلك؛ أي: آمنوا بموسى أو بعيسى وكفروا بمحمد، أو آمنوا بالتوراة أو الإنجيل وكفروا بالقرآن، و آمنوا ثم ارتدوا عن دينهم، أو أظهروا الإيمان وأخفوا الكفر، أو آمنوا ببعض وكفروا ببعض ولم يستقيموا على الهدى؛ ثم ازدادوا كفراً: وكانت هذه محصلة حياتهم وماتوا وهم على الكفر.
{لَّمْ يَكُنِ}: لم: حرف نفي، ينفي عنهم الغفران، ولم: تنفي الحال، والمستقبل، وثم: تفيد الترتيب العددي.
{اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}: اللام: في {لِيَغْفِرَ}: تفيد توكيد النفي؛ ليغفر لهم، ويمحو عنهم سيئاتهم.
{وَلَا}: الواو: عاطفة. لا: نافية أقوى بالنفي من (لم)، وتنفي الماضي، والحاضر، والمستقبل.
{لِيَهْدِيَهُمْ}: اللام: للتوكيد، سبيلاً وطريقاً إلى الهداية.
ويبدو أن هؤلاء ماتوا وهم كفار، فلن يغفر الله لهم، ولا يهديهم سبيلاً إلّا طريق جهنم، أو هم من الذين ضرب الكفر على قلوبهم، وارتدوا عن الإسلام أكثر من مرة، ولم يستحقّوا المغفرة، وتمادوا في كفرهم، أو من طبقة المنافقين الذين أعلنوا الإيمان، وأبطنوا الكفر حتى ماتوا، وهم على هذه الحالة من النفاق.
وقوله: {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}: بدلاً من: ولا ليهديهم طريقاً، كما ورد في الآية (٦٩) من نفس السورة.
فكيف استعمل كلمة {سَبِيلًا}: التي تحمل معنى الخير غالباً بدلاً من (طريقاً) التي تحمل معنى الشر في القرآن؛ لأنَّ هؤلاء عرفوا السبيل مرتين، آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا ثم كفروا.
فالله سبحانه لن يهديهم مرة أخرى إلى سبيل مثل السبيل الذي عرفوه سابقاً، حين عادوا إلى الإيمان، ثم عادوا إلى الكفر، أو تحمل معنى: التقريع، والتوبيخ، أو السياق في الآيات حيث ذكرت كلمة سبيلاً في هذه السورة حوالي (١١) آية، وسبيل حوالي (١٦) آية.