سورة النساء ٤: ١٤٦
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}:
في هذه الآية يفتح الله باب التوبة، حتى لهؤلاء المنافقين الّذين كان مصيرهم الدرك الأسفل من النار؛ ليكونوا مع المؤمنين، فهل هناك رحمة أوسع من هذه الرحمة؟!
وحدد الله سبحانه أربعة شروط للنجاة: أن يتوب، ويصلح، ويعتصم بالله، ويخلص دِينه لله.
أولاً: {تَابُوا}: التوبة بأركانها الأربع: الإقلاع عن النفاق، والندم، وعدم العودة إليه، والإكثار من العمل الصالح.
ثانياً: {وَأَصْلَحُوا}: أيْ: صلحوا ما أفسدوا بنفاقهم في الأرض، أو بين الناس.
ثالثاً: {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ}: أيْ: ليكن اعتصامهم بالله وحده، وابتغاؤهم العزة عند الله، وليس عند الكافرين، والاعتصام بحبل الله ودينه.
رابعاً: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ}: مقارنة بالقول: وأخلصوا لله دينهم: تقديم دينهم؛ أي: تقديم الأهم لهم، وهو دينهم، وانظر إلى سياق الآية فرغم توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله فكل ذلك لا يكفي؛ فلا بد من إخلاص الدين لله أيضاً حتى تقبل توبتهم وأعمالهم الصالحة، والالتجاء إلى الله، وذلك لأن المنافق قلبه منغمس في النفاق، فيحتاج إلى مقدار أعظم من الإخلاص لغسل قلبه وتطهيره وشفائه، والإكثار من الأعمال الصالحة التي تدل على إخلاص النية، والإنابة إلى الله وحده.
{فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}: الفاء: للتوكيد. أولئك: اسم إشارة يفيد البعد، ويحمل معنى المدح.
{وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ}: سوف: حرف استقبال للبعد، أو التراخي، وفيه معنى التوكيد.
{أَجْرًا عَظِيمًا}: وهو الجنة ونعيمها.
لنقارن هذه الآية بالآية (٧٤) من سورة التوبة، يقول سبحانه: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ}: فهذه الآية تتحدث فقط عن أول شرط للعودة إلى صف المؤمنين، أما في الآية (١٤٦) من سورة النساء: فقد حددت شروطاً أربعة.