سورة المائدة ٥: ٤
{يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:
المناسبة: بعد أن ذكر عشر محرمات؛ يسألونك ماذا أحل لهم، ولم يقولوا: ماذا أُحل لنا.
{يَسْـئَلُونَكَ}: بلفظ الغيبة، وفي السؤال معنى القول؛ فإنهم يقولون: ماذا أحل لهم. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢١٥)؛ لمزيد من البيان عن معنى كلمة يسألونك.
{مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}: استفهام حقيقي، ماذا: فيها مبالغة في الاستفهام، وهي أقوى من (ما).
{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ}: لنتذكر أنه كلما جاءت كلمة: {يَسْـئَلُونَكَ}: جاء بعدها الجواب: {قُلْ} في كل القرآن؛ إلّا مرة واحدة في سورة طه، قال تعالى: فقل؛ لأنهم لم يسألوا حينذاك السؤال بعد، وربما يسألوه في المستقبل.
{الطَّيِّبَاتُ}: جمع طيب، وهو الحلال الطاهر؛ أيْ: أحل لكم الطيبات.
{وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ}: المقصود بها الحيوانات التي نُعلمها؛ أيْ: ندربها، كيف تصطاد لنا من كلاب، وصقور، وغيرها، وسمِّيت جوارح: جمع جارحة؛ لأنها تجرح ما تصيد؛ أيْ: تكسب.
{مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}: مكلّبين: جمع مكلب: هو الذي يحترف حرفة تدريب الكلاب للصيد، مكلّبين؛ أيْ: مدربو الكلاب.
{تُعَلِّمُونَهُنَّ}: آداب الصيد؛ أيْ: يأتي بالصيد سليماً لم يأكل منه، إذا أكل منه يصبح غير معلم.
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: فكلوا مما أحضرن لكم (من خلال عملية الصيد)، لماذا قال: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}؛ لأن الجوارح (الكلاب، والصقور المعلمة) حين تمسك بالصيد لا تأكله، وتمنع الصيد عن نفسها، ولا تمسكه عن صاحبها؛ أيْ: لا تمنع صاحبها من أكل الصيد، وهي تمنع نفسها من أكله، رغم قدرتها على أكله.
{مِمَّا}: من ما، من: للتوكيد. ما: زائدة.
{وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}: قولوا: بسم الله الرحمن الرحيم عند إرسالها وإطلاقها للصيد، حتى لا يقع في دائرة مما لم يذكر اسم الله عليه، وإذا لم يقل: باسم الله وأطلقها للصيد، وعاد الكلب بالصيد، وهو ميت عندها، لا يأكل منه، ويرميه، وأما إذا لا زال فيه حياة مثل: حركة، أو صوت؛ فعندها يقول: باسم الله ويذبح الصيد، ويأكل منه.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أيْ: أطيعوا أوامره، واحذروا مخالفة أوامره، واتخذوا لكم وقاية من عذابه، وسخطه، وعقابه، واتقوا ناره.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{سَرِيعُ الْحِسَابِ}: قيل: إنه -جل وعلا- قادر على أن يحاسب الناس جميعاً في لمحة بصر، أو في مقدار نصف يوم، أو أقل فقط؛ لتقريب ذلك من الأذهان، والحساب يعني في اللغة: العد، أو إطلاع الناس على أعمالهم، وما لهم، وما عليهم من الثواب والعقاب.