سورة المائدة ٥: ١٢
{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}:
المناسبة في نزول هذه الآية: تذكير للمؤمنين بأن لا تكون عهودهم ومواثيقهم؛ كمواثيق بني إسرائيل، ويسيرون على سيرهم:
{وَلَقَدْ}: الواو: استئنافية. لقد: اللام: للتوكيد. قد: للتحقيق، والتوكيد.
{أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ}: الميثاق: هو العهد المؤكد. ارجع إلى الآية (٨٣) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.
بعد نجاة موسى، وبني إسرائيل من فرعون وجنوده ومن الغرق، أمر الله موسى بالسير إلى الأرض المقدسة، التي كان يسكنها الكنعانيون (القوم الجبارون).
وقبل التوجه لقتال الكنعانيين، أمر الله موسى بأن يختار (١٢) نقيباً من كل سبط، ويأخذ عليهم الميثاق، ووعدهم الله بأن يدخلوا الأرض المقدسة، وأخذ منهم الميثاق على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل، والتعزير، والقرض الحسن.
ولكن هؤلاء النقباء حين دنوا من أرض كنعان، ورأوا القوم الجبارين، رفضوا القتال، ونقضوا الميثاق، وقالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
والنقيب: هو كبير القوم، القائم بأمورهم، ينقب عنها، ويرعاها؛ أي: المندوب عن قومه، والممثل لهم، مشتقة من التنقيب: وهو البحث عن مصالح القوم، وتحمل معنى: أنه لا يكتفي بظواهر الأمور، بل يكشف بواطن الأمور، ويعلم الكثير عن قومه.
{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ}: ينتقل الله سبحانه من التكلم بصيغة الغيبة إلى صيغة المخاطب؛ للفت أسماعهم، والاهتمام بما سيقول لهم.
{إِنِّى مَعَكُمْ}: بالعون، والنصرة؛ أيْ: ناصركم، ومعينكم، وحافظكم.
{لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ}: اللام: للتوكيد، إن شرطية؛ تفيد الاحتمال، أو الندرة؛ أيْ: إقامتها بفروضها، وأركانها، وشروطها.
{وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ}: دفعتم زكاة أموالكم.
{وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِى}: أيْ: صدقتموهم بما جاؤوكم به من الوحي؛ أيْ: أطعتموهم.
{وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}: أنفقتم في سبيل مرضاته؛ أيْ: إضافة إلى الزكاة، والقرض الحسن. ارجع إلى الآية (٢٤٥) من سورة البقرة؛ لمعرفة معنى القرض الحسن.
{لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}:
أيْ: لئن أطعتم ما أمرتكم؛ لأنصرنكم على عدوكم.
و {لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـئَاتِكُمْ}: اللام: لام التوكيد، والنون: لزيادة التوكيد.
{لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ}: التكفير؛ يعني: الستر، والمحو.
{سَيِّـئَاتِكُمْ}: الصغائر، والكبائر.
{وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ}: اللام: للتوكيد، والنون: لزيادة التوكيد.
{جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: أيْ: تنبع من تحتها الأنهار.
{فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}:
{فَمَنْ كَفَرَ}: الفاء: استئنافية، فمن كفر؛ أي: نقض الميثاق، وترك العمل بما فيه، ولم يطع اللهَ فيما أمر ونهى عنه.
{بَعْدَ ذَلِكَ}: بعد الميثاق.
{فَقَدْ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط. قد: للتوكيد، والتحقيق.
{ضَلَّ}: تاه، وأخطأ، وابتعد عن الحق والهدى.
{سَوَاءَ السَّبِيلِ}: السواء: هو الوسط، ومن يمشِ في الوسط يصعب عليه أن يتيه ويضل.
{السَّبِيلِ}: الطريق السهل، الواضح، الموصل إلى الغاية، وهي رضوان الله تعالى وجنته، والنجاة من النار.