سورة المائدة ٥: ٢٧
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}:
المناسبة: بعد ذكر عصيان بني إسرائيل بعدم دخول الأرض المقدسة، على لسان موسى، ونقضهم المواثيق يأتي مثل آخر؛ عصيان ابن آدم لأمر الله بالزواج من أخته من الحمل الآخر، على لسان آدم، وقتله لأخيه، فيقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ}، واتل؛ أي: اقرأ، كلمة بعد كلمة، بالترتيب والتتابع، والتلاوة لا تكون إلا من كتاب الله، ولها أجر الحرف بعشر حسنات.
{عَلَيْهِمْ}: يا محمد، على قومك.
{نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ}: النبأ: هو الخبر العظيم، أو الخبر المهم, وهو أخص من الخبر؛ أي: الخبر أعم من النبأ, والنبأ فيه فائدة للمستمع.
{ابْنَىْ آدَمَ}: قابيل وهابيل.
{بِالْحَقِّ}: الباء: باء الإلصاق، بالحق: والحق: هو الشيء الثابت، الذي لا يتغير، فكل شيء منزل من عند الله تبارك وتعالى هو الحق -جل وعلا- ، والله هو الحق -عز وجل- ؛ أيْ: منزل من الحق؛ أيْ: بالصدق، لا تغيير فيه، ولا تبديل؛ لأن هناك أنباء غير صادقة تصدر من البشر فيها شك، وليست حقاً، وطالما هناك حق، هناك غير حق؛ أيْ: باطل.
ما هو النبأ؟ أوحى الله إلى آدم أن يزوِّج كلَّ واحد من أولاده توءَمة الآخر؛ فرفض قابيل الزواج من الأنثى من البطن الثاني؛ حيث كانت حواء تلد ذكراً وأنثى في كل حمل، فقال لهما آدم: قرِّبا قرباناً، فمن أيكما تُقبل؛ تزوجها، ففعلا ذلك، فتُقبل قربان هابيل؛ فازداد قابيل حسداً وسخطاً، فانتهى الأمر بأن قتل أخاه هابيل. ارجع إلى الآية (١٨٣) من سورة آل عمران؛ لبيان معنى القربان.
{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا}: بمعنى حينما قرَّبا قرباناً، أو اذكر إذ قرَّبا قرباناً.
والقربان: هو ما يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى، على وزن فعلان.
قيل: إن قربان هابيل كان من أجود غنمه (إذ كان صاحب غنم).
وقربان قابيل حزمة من سنبل، ومن أردأ زرعه (إذ كان صاحب زرع).
فتُقبِّل قربان هابيل، قيل: نزلت ناراً فأكلته، أو رفع إلى السماء، وأمّا قربان قابيل؛ فبقي مكانه، ولم يُتقبل. فقال: قابيل لهابيل؛ لأقتلنك.
{قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}: تهديد من قابيل لأخيه بالقتل، والتأكيد جاء في اللام، وكذلك بزيادة النون، النون الثقيلة في كلمة: أقتلنَّك، بدلاً من قتلك.
قال هابيل: إنما: كافة ومكفوفة؛ تفيد التوكيد.
{يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}: جواباً على قوله: {لَأَقْتُلَنَّكَ}.
عزا تقوى الله سبحانه كونها هي السبب في تقبُّل القربان، فأيُّهما أتقى؛ يُتقبل منه.