سورة البقرة ٢: ٦٢
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:
{إِنَّ}: للتوكيد.
{الَّذِينَ آمَنُوا}: من أمة محمّد -صلى الله عليه وسلم-.
{وَالَّذِينَ هَادُوا}: ولم يقل: وبني إسرائيل، أو اليهود، بل قال: {وَالَّذِينَ هَادُوا}: دخلوا في اليهودية، ولم يكونوا من سبط يهوذا، أو بني إسرائيل، أو الذين قالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} الأعراف: ١٥٦ من أتباع موسى -عليه السلام- .
{وَالنَّصَارَى}: أتباع عيسى -عليه السلام- ، وسُمُّوا بالنصارى؛ نسبة لقرية الناصرة، نزل فيها المسيح -عليه السلام- ، أو سُمُّوا نصارى؛ لأنهم نصروا المسيح -عليه السلام- ؛ حين قال: {مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ} آل عمران: ٥٢.
{وَالصَّابِئِينَ}: جمع صابئ، من صبأ؛ أي: خرج من ملَّة إلى ملَّة. قيل: هم قوم خرجوا من ملَّة اليهودية، والنصرانية، وعبدوا الملائكة، ولهم بقايا في العراق، أو هم قوم، كانوا يعبدون الكواكب، ويزعمون أنهم على ملَّة ابن شيث بن آدم، وقيل: هم قوم، يعبدون النجوم، والكواكب، أو يتبعون النّبي يحيى -عليه السلام- .
{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: آمن بالله: هو الاعتقاد الجازم بوجوده، وأنه الإله الحق، وبوحدانيته سبحانه وتعالى وربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته بدون تحريف أو تعطيل أو تمثيل أو تكييف. من أمة محمّد -عليه السلام- ، ولم يشرك بالله -سبحانه وتعالى- ، ومن كان على دين موسى -عليه السلام- ، ولم يبدلوا ويحرفوا، ويشركوا بالله -عز وجل- ، ومن كان على دين عيسى -عليه السلام- ، ولم يشرك بالله.
والصابئون زمن استقامتهم.
{وَعَمِلَ صَالِحًا}: وأطاع أوامر الله تعالى، وتجنب ما نهى عنه؛ أي: أقام فرائض الله، وتجنب نواهيه. وإذا قارنا قوله تعالى: {وَعَمِلَ صَالِحًا} مع قوله تعالى: {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} كما في سورة الفرقان آية (٧٠) نجد مع آيات الإيمان يأتي ذكر عمل صالحاً، وفي سياق آيات الأعمال يأتي ذكر عمل عملاً صالحاً.
{فَلَهُمْ}: الفاء؛ للتوكيد، لهم: اللام؛ لام الاختصاص.
{أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}: الأجر، مقابل العمل؛ أي: يسبق الأجر عمل وجهد وبذل، ولا يأتي الأجر في القرآن إلا في سياق الخير، والأجر قد يكون في الدنيا أو في الآخرة، والأجر هو من الله تعالى، أو قد يكون من غيره.
{وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: ارجع إلى الآية (٣٨) من سورة البقرة، وبعض المفسرين؛ قال: هذه الآية تعني: المؤمنين حقاً من كل أمة.
وبعض المفسرين قال: هذه الآية تعني: من انحرف عن دين الله من الّذين آمنوا؛ أي: (المنافقين)، والّذين هادوا، انحرفوا، وبدلوا التّوراة، والنصارى الّذين أشركوا بالله، وقالوا: المسيح ابن الله، أو ثالث ثلاثة، والصابئين الّذين عبدوا الكواكب، من آمن من هؤلاء بالله، واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون…
في هذه الآية من سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}: نلاحظ أنه نصب {وَالصَّابِئِينَ}: وأخّرهم عن النصارى، وعن كل الملل، وقدَّم النصارى وغيرهم على الصابئين؛ لأنّ النصارى وغيرهم هم أهل كتاب، فالتقديم هنا مبني على التفضيل بالمنزلة، فالكل أفضل من الصابئين.
أما في سورة المائدة، الآية (٦٩): {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى}.
نلاحظ أنه رفع الصابئين، وقال: {وَالصَّابِئُونَ}، وقدَّمهم على النصارى.
عطف بالرفع {وَالصَّابِئُونَ}؛ بدلاً من العطف بالنصب، {وَالصَّابِئِينَ} الذي هو القاعدة الّتي كانت يجب اتباعها.
والعطف بالرفع أقل توكيداً كما هو العطف بالنصب، فهو مؤكد.
عطفهم بالرفع؛ لأنهم أشد المذكورين ضلالاً، وقدَّمهم على النصارى؛ لأنّ الآيات جاءت في سياق ذم عقيدة النصارى، القائمة على التثليث، وأنّ عيسى ابن الله؛ فإذا كانت هذه هي الحال؛ فعقيدة الصابئين أفضل من عقيدة النصارى، القائمة على الشرك، والتثليث.
وأما في سورة الحج، الآية (١٧): {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
في هذه الآية؛ نلاحظ أنه نصب كلمة {وَالصَّابِئِينَ}؛ وقدَّمهم على النصارى، والنصب هو القاعدة.
فلماذا قدَّمهم؟
التقديم هنا بالزمن، فـ (الصابئين) أقدم من النصارى من حيث زمن وجودهم.
وقيل: إنّ الصابئين لم يكونوا على عقيدة واحدة، أو منزلة واحدة، فإذا فرضنا أنّ بعضهم كان ضالاً، والبعض الآخر أشد ضلالاً، رغم أنهم من نفس الملَّة.
فالصابئين: الضالين.
والصابئون: من هم أشد ضلالاً. والله أعلم.