سورة المائدة ٥: ٨٢
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}:
{لَتَجِدَنَّ}: اللام: لام التوكيد، والنون: لزيادة التوكيد.
{أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}: أشدَّ على وزن أفعل؛ للمبالغة في العداوة، فعداوة اليهود للذين آمنوا أشد العداوات وأظهرها.
{لِلَّذِينَ آمَنُوا}: اللام: لام الاختصاص.
{الْيَهُودَ} قيل: هم الذين جاؤوا من بعد بني إسرائيل، ومن دخل في اليهودية، وقدَّم اليهود على المشركين؛ لأنهم أشد عداوة منهم للمؤمنين.
{وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}: ولم يقل: المشركين؛ لأن المشركين؛ تعني: الشرك عندهم أصبح سمة وصفة ثابتة، أما {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}: أيْ: من قد يؤمن منهم، ويرجع عن عداوته، وشركه.
{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}:
{وَلَتَجِدَنَّ}: مثل الأولى.
{أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً}: هي المحبة التي تتجلَّى آثارها بالمودة، فالمحبة تسبق المودة، فهي سبب المودة، فكل مودة محبة، وليس كل محبة مودة، فالمودة= محبة+ إخلاص، ووفاء وغيرها.
{لِلَّذِينَ آمَنُوا}: مثل السابقة.
{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}: قيل: هم النجاشي، وأصحابه، أو غيرهم من النصارى، حينما هاجر إليهم المؤمنون، الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة.
{ذَلِكَ}: أيْ: قرب مودتهم من المؤمنين، إشارة إلى أقربهم مودة.
{بِأَنَّ مِنْهُمْ}: الباء: للإلصاق، أو السببية.
{قِسِّيسِينَ}: علماء النصارى.
{وَرُهْبَانًا}: العُباد من النصارى.
{وَأَنَّهُمْ لَا}: أن: للتوكيد، لا: النافية.
{يَسْتَكْبِرُونَ}: أيْ: فيهم تواضع، ولا يتكبرون عن الحق.
{يَسْتَكْبِرُونَ}: الألف والسين والتاء: للطلب، ولم يقل: يتكبرون، فهناك فرق بين المتكبر والمستكبر، المتكبِّر: قد يتكبر لامتلاكه بعض مؤهلات التكبر، مثل الغنى، أو الجاه، أو السلطة، أمّا المستكبر: فهو لا يملك مؤهلات التكبُّر؛ لكنه يطلب الكبر، وهو ليس كُفؤاً له، ومعظم آيات القرآن جاءت في سياق المستكبرين، أو الذين استكبروا في الدنيا.
والمستكبر: هو أسوأ من المتكبر، في ميزان التقوى والإيمان، وكلاهما ممّن يكرههم الله -جل وعلا- .
أما أسباب هذه المودة؛ فقد بينتها الآيات (٨٢، ٨٣، ٨٤):
١ - عدم التكبر (وأنهم لا يستكبرون).
٢ - وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ترى أعينهم تفيض من الدمع.
٣ - مما عرفوا من الحق؛ أي: القرآن من عند الله.
٤ - وما لنا لا نؤمن بالله؛ أيْ: أقروا بالإيمان بالله تعالى.
٥ - واكتبنا من الشاهدين، وأشهدوا على إيمانهم.