سورة المائدة ٥: ١٠٦
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ}:
أسباب النزول: روى البخاري وغيره: «خرج بديل السهمي، مولى عمرو بن العاص مع عدي بن زيد، وتميم بن أوس، وكانا نصرانيين، تجاراً إلى الشام، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض بديل، فكتب وصية بيده، ثم دسَّها في متاعه، وأوصى تميماً وعدياً أن يدفعا متاعه إلى أهله، فلما مات فتحا متاعه، وأخذا إناءً من فضة منقوشاً بالذهب، وقدِما المدينة على أهله، فدفعا متاعه، ففتح أهله متاعه، فوجدا فيها الوصية، ولم يجد أهله إناء الفضة، فسألوهما؛ فأنكرا سرقتهما للإناء، فترافعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت هذه الآية مشيرةً إلى ما يجب فعله في هذه الحالة».
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}: نداء جديد بوصية أخرى: لا تنسوا في لحظة مواجهة الموت الوصية، إن كان مديناً لأحد، أو كان له دَين على أحد، وكذلك إن سافر أحدكم في الأرض؛ فعليه أن يوصي (يكتب وصيته حتى لا يضيع على ورثته حقٌّ لهم، ويسدد ما عليه من دين ويبرئ ذمته.
{إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}: إذا: شرطية تفيد الحتمية والكثرة؛ حضر أحدكم الموت: من خصائص القرآن استعمال حضر في سياق الأحكام, والوصايا المتعلقة بالموت, وحضر تعني: شهد أو قارب على الموت, ويستعمل القرآن جاء أو المجيء للأجل, ويستعمل الموت حين نتكلم عن الموت.
{اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}: وأن يشهد على الوصية اثنان من المسلمين، يتصفان بالعدل، والإيمان، والأخلاق لحسنة.
{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ}: أو آخران من غيركم: أيْ: من غير المسلمين.
أيْ: إذا كان مسافراً مع غير أناس مسلمين فأصابته مصيبة الموت؛ فعليه أيضاً أن يشهدهم على الوصية، فلا عذر، ولا بُدَّ من شهادة اثنين مسلمين، أو غير مسلمين، والأفضل أن يكونا ذوي عدل.
{فَأَصَابَتْكُم مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}: أيْ: حضر أحدكمُ الموت: عندها اكتبوا الوصية، وأشهدوا ذوي عدل.
{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ}: أيْ: بعد موت الموصي، وترك الوصية: إن حدث شك في صدق الشاهدين؛ أيْ: في شهادتهما أنهما لا يقولان الحقيقة، أو شك في أمانتهما.
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ}: تستدعونهما للقسم بعد الصلاة (أيِّ صلاة), والقسم في القرآن: يقترن بالصدق, وأما اليمين فينطلق على القسم مقارنة بالخلق الذي يأتي في سياق الكذب أو إضمار الكذب.
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ}: نص القسم هو: أقسم بالله {لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ}. وانظر كيف أضاف الله الشهادة إليه فقال: (ولا نكتم شهادة الله)؛ لتعظيم خطر الشهادة حين القسم بها.
{إِنَّا إِذًا لَمِنَ}: اللام: للتوكيد.
{الْآثِمِينَ}: جمع آثم: ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٣٣)؛ لبيان معنى الإثم.