سورة الأنعام ٦: ٧٦
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}:
{فَلَمَّا}: الفاء: عاطفة، لما ظرف بمعنى حين يتضمن معنى الشرط.
{جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ}: أيْ: أظلم، وستر، واشتد ظلامه، وأصبح كل واحد لا يرى الآخر؛ بسبب الظلام.
{رَأَى كَوْكَبًا}: والكوكب: كالقمر، هو الذي يأخذ ضوءَه من مصدر آخر، مثل الشمس، فالكوكب ليس مضيئاً بذاته.
{قَالَ هَذَا رَبِّى}: والسؤال هنا: كيف يقول إبراهيم -عليه السلام- هذا القول الذي يدل في ظاهر الأمر على الشرك؟, ولكن الحقيقة وفي باطن الأمر: هو استفهام إنكاري وتهكم على قومه, وتقدير كلامه أهذا ربي أو هل هذا ربي؟.
فإبراهيم هو الذي حاج النمرود قبل القدوم إلى الشام (سورة البقرة، آية ٢٥٨).
وإبراهيم الذي راغ إلى الآلهة؛ فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضرباً باليمين (سورة الصافات، آية ٩١-٩٣).
فقوله تعالى: {رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّى}: قال ذلك في مقام الحجاج والجدال مع هؤلاء الذين يعبدون النجوم، والكواكب؛ ليثبت لهم زيف وبطلان عبادتهم، وكانوا يسكنون قرية من قرى بلاد الشام تسمَّى حرَّان؛ التي هاجر إليها إبراهيم -عليه السلام- ، بعد أن ترك أباه وقومه في أرض العراق، بسبب شركهم وضلالتهم, وهذا قد يشبه قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَاءِى} فصلت: ٤٧؛ فالله سبحانه يعلم أنه لا شركاء له.
قال ذلك إبراهيم؛ ليقيم الحُجَّة على هؤلاء القوم، تمهيداً للإنكار عليهم، وإثبات الوحدانية لله تعالى.
{فَلَمَّا أَفَلَ}: أيْ: حين اختفى؛ أيْ: غاب.
قال إبراهيم -عليه السلام- : {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}: أيْ: لا أحب أن يختفي ربي؛ لأن الرب الحقيقي لا يغيب أبداً؛ إذنْ هذا الكوكب ليس إلهاً، ولا يستحق أن يُعبد, وهذا من ألطف أساليب الدعوة إلى الله تعالى بدلاً من القول إني أكره ما تعبدون أو أن يسب ألهتهم.