سورة الأنعام ٦: ٩٠
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}:
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة للبعيد؛ يفيد التعظيم، ويشير إلى الأنبياء، والرسل المذكورين، وأتباعهم من الموحدين، المخلصين، وأولوا العلم من كل الأقوام السابقة، والأمم المختلفة.
{الَّذِينَ}: اسم موصول.
{هَدَى اللَّهُ}: إلى دِينه الإسلام.
{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}: اقتد؛ أي: اتبع هداهم في الدعوة إلى توحيد الله، وفيما لم يرد فيه نص.
والفاء تدل على التوكيد، والباء: للإلصاق، والملازمة.
{اقْتَدِهْ}: فعل أمر, وقيل: الهاء هاء السكت؛ أي: لا تنطق الهاء إلا في الوقف, وإذا جاءت في الوصل لا ينطق بها, ولكن هناك من القراء من يثبتها وقفاً ووصلاً ومنهم من يثبتها وقفاً فقط.
وإذا قارنا آية سورة الأنعام، مع آية سورة الزمر (١٨)، نجد أن:
في سورة الأنعام، الآية (٩٠): {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}.
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة، يشير إلى أقوام كُثُرٍ، وأنبياء مختلفين، ورسل وشرائع مختلفة، من إبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وغيرهم.
أما سورة الزمر، الآية (١٨): {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
فـ {أُولَئِكَ}: اسم إشارة؛ يشير فقط إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة، والمؤمنين، وهم فئة واحدة، وقوم واحد، وليست مجموعة من الرسل، أو الأقوام.
وقوله -عز وجل- : {هَدَاهُمُ اللَّهُ}: آكَدُ، وأقوى من هدى الله؛ لوجود ضمير الفصل (هم) في هداهم.
و {هَدَى اللَّهُ} عددهم أكثر وأكبر من الذين: {هَدَاهُمُ اللَّهُ}.
وقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}: أي: اتبعهم رغم كثرة عددهم، وشرائعهم المختلفة، فكيف يقتدي بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميعاً؛ أيْ: في منهاج الدعوة، والتبليغ، وتوحيد الله، والأخلاق الحميدة؛ أيْ: فيما هو عام وليس خاصاً.
{قُلْ لَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}:
{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
{لَا}: النافية؛ تنفي كل الأزمنة.
{أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ}: أيْ: على القرآن.
{أَجْرًا}: ولم يقل: (من أجرٍ)، حذف (من): التي تفيد الاستغراق، والتوكيد؛ لأن سياق هذه الآية في الاقتداء بالرسل السابقين، ولو كان السياق في الدعوة والتبليغ، كما في سورة يوسف، آية (١٠٤)؛ لاستخدم حرف من، كما في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}.
{إِنْ} حرف نفي أشد نفياً من (ما).
{هُوَ}: ضمير منفصل؛ يفيد التوكيد، ويعود على القرآن الكريم.
{إِلَّا}: أداة حصر؛ أي: القرآن الكريم، موعظة، وتذكير للعالمين، الخلق كافة.
وما هو الفرق بين ذكرى وذكر؟
كما في ورد في سورة الأنعام، الآية (٩٠): {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}.
وفي سورة يوسف، الآية (١٠٤): {وَمَا تَسْـئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}.
{ذِكْرٌ}: أقوى من {ذِكْرَى}، ذكر فيه معنى: الشرف، والرفعة، والاختلاف بين الآيتين يعود الاختلاف في السياق.
فقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}: جاءت في سياق قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف: ١٠٨.
{ذِكْرٌ}: جاءت في سياق الدعوة والتبليغ، وتحتاج إلى الجهد، والمشقة، والتضحية.
و {ذِكْرَى}: جاءت في سياق ذكر الأنبياء، أو القرآن، أو تذكرة للناس؛ فقوله تعالى: ذكرٌ، أقوى وآكَدُ، وأبلغ من ذكرى.