سورة الأعراف ٧: ١٧
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}:
{ثُمَّ}: تدل على التراخي، والإمهال في الزمن؛ لأتيناهم من بين أيديهم؛ أيْ: من أمامهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، استعمل: (من)، واستعمل (عن)، من: تفيد المباشرة، والإلصاق، والقرب، وعن: تفيد المجاوزة، والابتعاد.
{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ}: من أمامهم؛ أيْ: في أمر الدنيا، أرغبهم في الدنيا وشهواتها. من: تفيد القرب، أقعد قريباً، من أمامهم.
{وَمِنْ خَلْفِهِمْ}: من ورائهم؛ أيْ: في أمر الآخرة في التكذيب بالبعث والحساب، أقعد قريباً من خلفهم بالوسوسة، والتكذيب.
{وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ}: أقعد لهم مبتعداً عنهم من جهة اليمين، وقد تعني: أوسوس لهم من جهة اليمين: جهة الحسنات، من جهة حسناتهم؛ بالوسوسة بالمعاصي.
{وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}: من جهة سيئاتهم؛ بالتزيين، والإغواء؛ أيْ: أقعد لهم مبتعداً من جهة الشمال: اليسار، وذكر الجهات الأربع التي ذكرت من ضرب المجاز التمثيلي؛ لأننا نعلم ليس للشيطان مسلك إلا، بالوسوسة والإغراء والتزيين عن طريق العقل والنفس، وذكر الجهات الأربع، والعدو الذي يحيط بالإنسان من كل جهة، ولأقعدن لهم صراطك المستقيم فلا بد من الحذر منه وتجنبه.
وقوله: {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}: ولم يقل: عن اليمين، أو عن الشمال، عن أيمانهم، وشمائلهم؛ تعني: يأتيهم بانحراف، أو بشكل منحرف من جهة اليمين، والشمال؛ لأن جلس يمينه؛ أيْ: في جهة اليمين جلس عن يمينه؛ أيْ: منحرفاً عن جهة اليمين، وبعيداً عنه، وكذلك عن شمائلهم؛ لأنه يخشى الملكين عن اليمين، وعن الشمال قعيد (رقيب عتيد).
{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ}: من: تعني: مباشرة من دون انحراف.
ولم يذكر من فوقهم، أو من تحتهم وهذا من رحمة الله بعبده؛ لأن الفوقية قيل: تخصّ الله سبحانه؛ حيث تنزل رحمته، أو تصعد عبادة العبد، والتحتية؛ فهي محروسة بالسجود، والركوع، ومن الصعب، أو نادراً ما يأتي الشيطان للعبد، وهو ساجد، أو راكع.
{وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}: كيف علم إبليس هذا؟ أن أكثر الناس لن يكونوا من الشاكرين؟
قيل: لأنه من الجن، والجن لها شهوات مثل شهوات الإنس، وبما أن الجن قليلاً ما تشكر؛ فظن الإنس كالجن.