سورة الأعراف ٧: ٢٣
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}:
{أَنْفُسَنَا}: بصيغة الجمع، ولم يقل: (نفسينا) بصيغة التثنية؟ اعتذرا معاً، والدعاء بصيغة الجمع أفضل من الدعاء بصيغة المفرد.
{ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}: بمخالفة أمرك، وطاعة الشيطان بالاقتراب من الشجرة، والأكل منها.
{وَإِنْ لَّمْ}: إن: شرطية، لم: نافية.
{وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا}: قدَّم المغفرة على الرحمة، والمغفرة: من غفر؛ أيْ: ستر؛ أي: استر ذنوبنا، وتقبل توبتنا.
{لَنَكُونَنَّ}: اللام: لام التوكيد، و (نكوننَّ): النون: لزيادة التوكيد؛ أيْ: استعظما ذنبهما.
{مِنَ الْخَاسِرِينَ}: الذين خسروا الدنيا والآخرة، خسروا أنفسهم.
لنقارن ثلاث دعوات وردت في القرآن متشابهة إلى حدٍّ ما، وهي: في سورة هود الآيتان (٤٦-٤٧): {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْـئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
الدعاء هنا على لسان نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْـئَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وفي سورة الأعراف، الآية (٢٣): {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}.
الدعاء هنا على لسان آدم وزوجه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وفي سورة الأعراف، الآية (١٤٩): {لَئِنْ لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
الدعاء هنا على لسان بني إسرائيل، نجده استعمل كلمات، أكن، لنكوننَّ.
بما أن معصية نوح هي أقل شدة من معصية آدم، ومعصية بني إسرائيل؛ لذلك لم يؤكد نوح -عليه السلام- في دعائه بأي حرف، فقال: {أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وبما أن معصية آدم -عليه السلام- هي أشد من معصية نوح -عليه السلام- ؛ لذلك استعمل التوكيد باللام، في (لنكوننَّ)، والنون؛ فقال: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وبما أن معصية بني إسرائيل أشد من معصية آدم، ومعصية نوح: وهي الإشراك بالله، وعبادة العجل؛ لذلك استعمل: {لَّئِنْ} + {لَنَكُونَنَّ}؛ أي: (اللام، والنون).
ثم في دعاء نوح، ودعاء آدم: قدَّم المغفرة على الرحمة، وفي دعاء بني إسرائيل: قدَّم الرحمة على المغفرة؛ لأن الرحمة أعم، وأوسع من المغفرة، فالرحمة لعموم الخلق؛ لذلك طلب بنو إسرائيل الرحمة أولاً؛ لأنه يناسب عظم المعصية، وهي الشرك، فإذا طرد الإنسان من رحمة الله، فلا مطمع له بعد في المغفرة، فالمغفرة تأتي بعد الرحمة، والمغفرة خاصَّةً بالمؤمنين، فمن لا يرحمه ربه، لا يغفر له، ومن غفر له كان مرحوماً.