سورة الأعراف ٧: ٣٧
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}:
{فَمَنْ}: استفهام تقريري، والجواب: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً.
{أَظْلَمُ}: على وزن أفعل، والظلم في لغة العرب: وضع الشيء في غير موضعه، والظلم ثلاثة أنواع:
ظلم بين الإنسان، وبين الخالق، وأعظمه: الكفر، والشرك، والنفاق؛ لأن وضع العبادة في غير من خلق، ورزق؛ أشنع أنواع الظلم، وكما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان: ١٣.
وظلم بين الإنسان، وبين الناس؛ كقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} الشورى: ٤٢، ويعني: أخذ حق الغير.
وظلم الإنسان لنفسه: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} فاطر: ٣٢.
ويعني: الخروج عن منهج الله سبحانه هو ظلم للنفس. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٥٤)؛ لمزيد من البيان.
{افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}: افترى: من الافتراء، وهو: اختلاق الكذب؛ أي: اختراعه، وهو الكذب المتعمد.
{كَذِبًا}: نكرة؛ تشمل كلَّ أنواع الكذب على الله -جل وعلا- بأن له شريكاً، أو أن له ولداً، أو أحل الله، أو حرم الله، وأنزل الله.
{أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَاتِهِ}: أيْ: آيات القرآن، أو الآيات الكونية، أو المعجزات التي جاء بها الرسل.
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة؛ للبعد.
{يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ}: نصيبهم: حظهم، والنصيب يأتي في الأجر، والجزاء، والثواب، ويكون في المحبوب، والمكروه، والنعيم، أو العذاب، والحظ؛ لا يقال في العذاب، أو المكروه عادةً يأتي في سياق الخير.
{مِنَ الْكِتَابِ}: مما قدَّره لهم من الكتاب، مما كتب لهم في اللوح المحفوظ لهم من الرزق، والخير، والشر، والسعادة، والشقاء، والأعمار، والأعمال، وبذلك يكون المعنى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ} نصيبهم، أو ما قدر لهم في الحياة الدنيا من الكتاب؛ مما كتب لهم في اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، وما يحدث لهم بعد ذلك هو: {إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ}.
{حَتَّى}: حرف لنهاية الغاية، والغاية هنا: مجيء رسل ملائكة الموت.
{إِذَا}: ظرف زماني للمستقبل، ويعني: الحتمية؛ أيْ: حتماً ستجيئهم رسلنا.
{جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا}: المجيء: فيه معنى الصعوبة، والمشقة.
{رُسُلُنَا}: أيْ: ملك الموت، وأعوانه، ولم يقل: رسلهم، وإنما قال رسلنا؛ تشريفاً لهم.
{يَتَوَفَّوْنَهُمْ}: الوفاة: هي المرحلة التي تسبق الموت، مرحلة الاحتضار، عندما تتعطل حواس المحتضر، ويدخل في غيبوبة، ولا يُفهم ما يقول، والمحتضر يرى الملائكة، وتظهر عليه علامات الفرح، أو الحزن، ولا يمكن أن يعود إلى الدنيا.
ارجع إلى الآية (٦١) من سورة الأنعام، والآية (٩٧) من سورة النساء؛ لمزيد من البيان.
{قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: أيْ: تسألهم ملائكة الموت، سؤال توبيخ وتقريع.
{أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ}: أيْ: تعبدون، أو تدعونهم؛ لينصروكم، أو يمنعوكم من العذاب، أو يشفعوا لكم، أو يقربوكم زلفى عند الله؟!
{مِنْ دُونِ اللَّهِ}: من غير الله.
{مَا}: اسم موصول؛ تعني: الذين كنتم تعبدون.
{قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا}: غابوا عنا، أو اختفوا، ولم نعد نراهم، أو نجدهم، أو لا ندري أين هم.
{وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ}: أيْ: أقروا، واعترفوا بكفرهم لملائكة الموت.
وقيل: هذا الاعتراف، والإقرار يكون يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُم مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِى النَّارِ}.
عندها يقال لهم: ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن، والإنس في النار.
{أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}: أنهم: للتوكيد كانوا: في الدنيا، كافرين: جملة اسمية؛ تدل على أن صفة الكفر كانت ثابتة لهم.
ولم يقل: كفار، بل {كَافِرِينَ}: تدل غالباً على العمل، وهو الكفر.
كفار: تدل على الحدث، وتدل على المبالغة، وأكثر من الكافرين.