الْبِلَاد من انتشار الْعَدو فِيهَا والإغارة عَلَيْهَا
وَأرْسل القَاضِي كَمَال الدّين بن الشهرزوري إِلَى السُّلْطَان مَسْعُود يُنْهِي إِلَيْهِ حَال الْبِلَاد وَكَثْرَة الْعَدو وَيطْلب مِنْهُ النجدة وإرسال العساكر
فَقَالَ لَهُ كَمَال الدّين أَخَاف أَن تخرج الْبِلَاد من أَيْدِينَا وَيجْعَل السُّلْطَان هَذَا حجَّة وَينفذ العساكر فَإِذا توسطوا الْبِلَاد ملكوها فَقَالَ الشَّهِيد إِن هَذَا الْعَدو قد طمع فِي الْبِلَاد وَإِن أَخذ حلب لم يبْق بِالشَّام إِسْلَام وعَلى كل حَال فالمسلمون أولى بهَا من الْكفَّار
قَالَ فَلَمَّا وصلت إِلَى بَغْدَاد وَأديت الرسَالَة وَعَدَني السُّلْطَان بإنفاذ العساكر ثمَّ أهمل ذَلِك وَلم يَتَحَرَّك فِيهِ بِشَيْء وَكتب الشَّهِيد إِلَى مُتَّصِلَة يحثني على الْمُبَادرَة بإنفاذ العساكر وَأَنا أخاطب فَلَا أزاد على الْوَعْد
قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت قلَّة اهتمام السُّلْطَان بِهَذَا الْأَمر الْعَظِيم أحضرت فلَانا وَهُوَ فَقِيه كَانَ يَنُوب عَنهُ فِي الْقَضَاء فَقلت خُذ هَذِه الدَّنَانِير وفرقها فِي جمَاعَة من أوباش بَغْدَاد والأعاجم وَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَصعد الْخَطِيب الْمِنْبَر بِجَامِع الْقصر قَامُوا وَأَنت مَعَهم واستغاثوا بِصَوْت وَاحِد وَا إسْلاماه وَا دين مُحمّدَاه وَيخرجُونَ من الْجَامِع ويقصدون دَار السلطنة مستغيثين
ثمَّ وضعت إنْسَانا آخر يفعل مثل ذَلِك فِي جَامع السُّلْطَان فَلَمَّا كَانَت الْجُمُعَة وَصعد الْخَطِيب الْمِنْبَر قَامَ ذَلِك الْفَقِيه وشق ثَوْبه وَألقى عمَامَته عَن رَأسه وَصَاح وَتَبعهُ أُولَئِكَ النَّفر بالصياح والبكاء فَلم يبْق بالجامع إِلَّا من قَامَ يبكي وَبَطلَت الْجُمُعَة وَسَار النَّاس كلهم إِلَى دَار السُّلْطَان
وَقد فعل أُولَئِكَ الَّذين بِجَامِع السُّلْطَان مثلهم فَاجْتمع أهل بَغْدَاد وكل من بالعسكر عِنْد دَار السُّلْطَان يَبْكُونَ ويصرخون ويستغيثون وَخرج الْأَمر عَن الضَّبْط وَخَافَ السُّلْطَان فِي دَاره وَقَالَ مَا الْخَبَر فَقيل لَهُ إِن النَّاس قد ثَارُوا حَيْثُ لم ترسل