وَدخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة
فَتوجه نور الدّين نَحْو صرخد وَلم يُشَاهد أحسن من عسكره وهيئته وعدته ووفور عدته
وَاجْتمعَ العسكران وَأرْسل من بصرخد إِلَيْهِمَا يَلْتَمِسُونَ الْأمان والمهلة أَيَّامًا وتسلم الْمَكَان وَكَانَ ذَلِك مِنْهُم على سَبِيل المغالطة والمخاتلة إِلَى أَن يصل عَسْكَر الإفرنج لترحيلهم
وَقضى الله تَعَالَى وُصُول من أخبر بتجمع الفرنج واحتشادهم ونهوضهم فِي فارسهم وراجلهم مجدين السّير إِلَى نَاحيَة بصرى وَعَلَيْهَا فرقة وافرة من الْعَسْكَر محاصرة لَهَا
فَنَهَضَ الْعَسْكَر فِي الْحَال إِلَى نَاحيَة بصرى فسبقوا الفرنج إِلَيْهَا فحالوا بَينهم وَبَينهَا
وَوَقعت الْعين على الْعين فَانْهَزَمَ الْكفَّار وولوا الأدبار وتسلم معِين الدّين بصرى وَعَاد إِلَى صرخد فتسلمها وَعَاد العسكران إِلَى دمشق فوصلاها يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم
وَفِي هَذَا الْوَقْت وصل ألتونتاش الَّذِي خرج من صرخد إِلَى الفرنج بجهله وسخافة عقله إِلَى دمشق من بِلَاد الفرنج من غير أَمَان وَلَا تَقْرِير واستئذان توهما مِنْهُ أَنه يكرم ويصطنع بعد الْإِسَاءَة القبيحة والارتداد عَن الْإِسْلَام فاعتقل فِي الْحَال وطالبه أَخُوهُ خطلخ بِمَا جناه عَلَيْهِ من سمل عَيْنَيْهِ وَعقد لَهما مجْلِس حَضَره الْفُقَهَاء والقضاة وأوجبوا عَلَيْهِ الْقصاص فسمل كَمَا سمل أَخَاهُ وَأطلق إِلَى دَار لَهُ بِدِمَشْق فَأَقَامَ بهَا
قلت وَقد ذكر ابْن مُنِير وقْعَة بصرى هَذِه وَغَيرهَا من الوقعات الَّتِي يَأْتِي ذكرهَا فِي قصيدة قد تقدم بَعْضهَا مِنْهَا
(أَي شأو أدْركْت يَا نور دين الله ... أعيا على الْمُلُوك لحاقه)