فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنه لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب الْجمع بَين ساكنين فِي الْوَصْل، لِأَن الْجمع بَينهمَا فِي الْوَصْل محَال، وَلكنه لَيْسَ بموجود، فَلم يكن بُد من حذف أحد الساكنين، أَو تحريكه، ليخرج إِلَى كَلَامهم.
وَقد يُمكن تَعْلِيل امْتنَاع الْجمع بَين ساكنين، بِأَن يُقَال: إِن الْحَرْف السَّاكِن إِذا تكلم بِهِ، أَن الْمُتَكَلّم فِي حكم الْوَاقِف عَلَيْهِ والمبتدئ بِمَا بعده، وَقد بَينا أَن الِابْتِدَاء بالساكن محَال، فَكَانَ الْجمع بَينهمَا يشبه الِابْتِدَاء بالساكن، فَلهَذَا امْتَنعُوا، وَإِنَّمَا وَجب الْحَذف فِي الْوَاو دون الْمِيم لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْمِيم لَو حذفت وَبقيت الْوَاو لجَاز أَن يلقاها سَاكن، وَلَا بُد من حذف الْوَاو أَو تحريكها، فَلَو حذفت أدّى ذَلِك إِلَى الإجحاف بِالْفِعْلِ، وَلَو حركتها لَأَدَّى إِلَى الاستثقال، إِذْ كَانَت الحركات على حُرُوف مستثقلة، فَوَجَبَ أَن تحذف الْوَاو، وَتبقى الْمِيم الَّتِي لَا يستثقل عَلَيْهَا الْحَرَكَة، وَلَا يجب حذفهَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن حُرُوف الْمَدّ أَضْعَف من غَيرهَا، فَلَمَّا وَجب حذف أحد الحرفين، وَجب حذف الأضعف، وَهُوَ الْوَاو.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لم يحركوا أَحدهمَا؟
قيل: لَو حركنا الآخر، وَجب تحريكه بِالْفَتْح أَو الضَّم، إِذْ الْكسر مَمْنُوع من الْفِعْل، وَأَن الأَصْل فِي التحريك لالتقاء الساكنين الْكسر، وَلَو حركنا الآخر بِالضَّمِّ أَو بِالْفَتْح لم تعلم عَلامَة الْجَزْم، لِأَنَّهُ أدّى اللَّفْظ إِلَى لفظ النصب وَالرَّفْع. وَلَو حركنا الأول لَأَدَّى (٦ / أ) إِلَى الاستثقال، إِذْ الحركات فِي هَذِه الْحُرُوف مستثقلة.
فَإِن قَالَ: أَلَيْسَ قد حركتم إِذا لقيها سَاكن من كلمة أُخْرَى بِالْكَسْرِ، لسكونها وَسُكُون الْوَاو؟