الجوابُ عن البابِ الأولِ:
الذي لا يجوزُ في الحروفِ التي تُضمرُ فيها (أن) إجراؤها على وجهينِ: أحدُهما: ما لا يجوزُ فيه إلا الإضمارُ, والآخرُ: ما يجوزُ فيه الإظهارُ والإضمارُ.
فالذي لا يجوزُ فيه إلاّ الإضمارُ ما كان الكلامُ محمولاً فيه على التأويلِ. والذي يجوزُ فيه الإضمارُ والإظهارُ هو ما فيه دليلٌ من غيرِ حملٍ على التأويلِ؛ لأنَّه لما كان المعنى على التأويلِ؛ وجبَ أن يجريَ اللفظُ على طريقهِ في الحملِ على التأويلِ بإضمارِ (أن) , ولما كانَ اللفظُ محمولاً على التصريحِ بذكرِ الدليلِ؛ وجبَ أن يجوزَ الإضمارُ والإظهارُ, كاللامِ التي يصلحُ فيها الإضمارُ والإظهارُ.
فلا يجوزُ أن تُضمرَ في سائر حُروفِ العطفِ كما أُضمرت في الواو, /٩٥ أالفاء, وأو؛ لأن هذه الحروف أُصولٌ تحتملُ الوجوهَ, فلما أُخرجت إلى الوجهِ الذي تحتملُه في أصلها؛ صلحَ أن يضمرَ معها: أن؛ ليُؤذنَ بخُروجها إلى ذلك الوجهِ.
فالواوُ تحتملُ الجمعَ والإشراك, كقولك: لا تأكُلِ السمكَ وتشربِ اللبنَ, فهذا إشراكٌ في النهي؛ إذ قد نهيتَ عن كُلِّ واحدٍ منهما, فأما: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ؛ فإنما هو نهيٌ عن الجمع بينهما, فلما أُخرجت إلى معنى الجمعِ؛ أُضمرَ معها: أن؛ ليُؤذنَ بإخراجها إلى هذا المعنى.