في داره التي أنشأها فجاءت من أجلّ دور القاهرة.
دار الذهب: هذه الدار خارج القاهرة، فيما بين باب الخوخة وباب سعادة، بناها الأفضل أبو القاسم شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي، وكان فيما بين باب القنطرة وباب الخوخة منظرة اللؤلؤة التي تقدّم ذكرها، عند ذكر مناظر الخلفاء، ويجاورها من حيزباب الخوخة دار الفلك، وبناها فلك الملك أحد الأستاذين الحاكمية، ويلاصقها دار الذهب هذه، ويجاور دار الذهب دار الشابورة، ودار الذهب عرفت أخيرا بدار الأمير بها در الأعسر شادّ الدواوين، ثم الآن عرفت بدار الأمير الوزير المشير الأستادار فخر الدين عبد الغني ابن الأمير الوزير استادار تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الأرمنيّ الأصل، وعني بها وهدم كثيرا من الدور التي كانت تجاهها على برّ الخليج الشرقيّ، وأنشأ هناك دارا يتطرّق إليها من هذه الدار بساباط، وأنشأ بجوارها جامعه الآتي ذكره وحمامه، ثم هدم كثيرا من الدور التي كانت على الخليج وما وراءها بتلك الأحكار التي في الجانب الغربيّ من الخليج، وغرس في أراضي تلك الدور الأشجار وجعلها بستانا تجاه داره، فمات قبل أن تكمل، وصار أكثر مواضع الدور التي خربها هناك كيمانا.
دار الحاجب: خارج باب النصر تجاه مصلى الأموات، هذه الدار أنشأها الأمير سيف الدين كهرداش المنصوريّ، أحد المماليك الزراقين، وهو الذي فتح جزيرة أرواد في المراكب المتوجهة إلى بلاد الفرنج، وتولى عمارة مأذنة المدرسة المنصورية لما تهدّمت في الزلزلة، وتقدم وكثرت أمواله ومات بدمشق في سنة أربع عشرة وسبعمائة، فاشترى هذه الدار الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب، ولم تزل بها ذريته من بعد الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر، والأمير ناصر الدين محمد بن عبد الله، وبها الآن ولدا الأمير ناصر الدين، وهما الأمير عليّ وعبد الرحمن، وما برح هذا البيت فيه الأمرة والسعادة.
بكتمر الحاجب: الأمير سيف الدين، كان أميرا خور، ثم وليّ شدّ الدواوين بدمشق في نيابة الأفرم، ولم يكن لأحد معه كلام في عزل ولا ولاية، ثم ولي الحجوبية، وتوجه إلى صفد كاشفا على الأمير ناهض الدين عمر بن أبي الخير والي الولاة وشادّ الدواوين بها، ومعه معين الدين بن حشيش، فحرّر الكشف ورفعه، حتى قال فيه زين الدين عمر بن حلاوات موقع صفد:
يا قاصدا صفدا فعد عن بلدة ... من جور بكتمر الأمير خراب
لا شافع تغني شفاعته ولا ... جار له مما جناه جناب
حشر وميزان ونشر صحائف ... وجرائد معروضة وحساب
وبها زبانية تحثّ على الورى ... وسلاسل ومقامع وعقاب
ما فاتهم من كلّ ما وعدوا به ... في الحر إلّا راحم وهاب