بأجمعهم كانوا يجتمعون قبل ليلة الوقود عنده، إلى أن يعملوا ثمانية عشر ألف فتيلة، وأن المطلق برسمه خاصة في كلّ ليلة ترسم وقوده أحد عشر قنطار أو نصف زيتا طيبا.
ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها
اعلم أن محاريب ديار مصر التي يستقبلها المسلمون في صلواتهم أربعة محاريب.
أحدها
محراب الصحابة رضي الله عنهم، الذي أسسوه في البلاد التي استوطنوها، والبلاد التي كثر ممرّهم بها من إقليم مصر، وهو محراب المسجد الجامع بمصر، المعروف بجامع عمرو، ومحراب المسجد الجامع بالجيزة، وبمدينة بلبيس، وبالإسكندرية، وقوص، وأسوان، وهذه المحاريب المذكورة على سمت واحد، غير أن محاريب ثغر أسوان أشدّ تشريقا من غيرها، وذلك أن أسوان مع مكة شرّفها الله تعالى في الإقليم الثاني، وهو الحدّ الغربيّ من مكة بغير ميل إلى الشمال، ومحراب بلبيس مغرّب قليلا.
والمحراب الثاني محراب مسجد أحمد بن طولون، وهو منحرف عن سمت محراب الصحابة، وقد ذكر في سبب انحرافه أقوال منها: أنّ أحمد بن طولون لما عزم على بناء هذا المسجد، بعث إلى محراب مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أخذ سمته، فإذا هو مائل عن خط سمت القبلة المستخرج بالصناعة نحو العشر درج إلى جهة الجنوب، فوضع حينئذ محراب مسجده هذا مائلا عن خط سمت القبلة إلى جهة الجنوب بنحو ذلك، اقتداء منه بمحراب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منامه، وخط له المحراب، فلما أصبح وجد النمل قد أطاف بالمكان الذي خطه له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام. وقيل غير ذلك.
وأنت إن صعدت إلى سطح جامع ابن طولون، رأيت محرابه مائلا عن محراب جامع عمرو بن العاص إلى الجنوب، ورأيت محراب المدارس التي حدثت إلى جانبه قد انحرفت عن محرابه إلى جهة الشرق، وصار محراب جامع عمرو فيما بين محراب ابن طولون والمحاريب الأخر، وقد عقد مجلس بجامع ابن طولون في ولاية قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة، حضره علماء الميقات، منهم الشيخ تقيّ الدين محمد بن محمد بن موسى الغزوليّ، والشيخ أبو الطاهر محمد بن محمد، ونظروا في محرابه، فأجمعوا على أنه منحرف عن خط سمت القبلة إلى جهة الجنوب مغربا بقدر أربع عشرة درجة، وكتب بذلك محضر وأثبت على ابن جماعة.
والمحراب الثالث: محراب جامع القاهرة، المعروف بالجامع الأزهر، وما في سمته من بقية محاريب القاهرة، وهي محاريب يشهد الامتحان بتقدّم واضعها في معرفة استخراج القبلة، فإنها على خط سمت القبلة من غير ميل عنه ولا انحراف البتة.