أنت الذي أمراؤه بين الورى ... مثل الملوك وجنده أمراء
ملك تزينت الممالك باسمه ... وتجمّلت بمديحه الفصحاء
وترفّعت لعلاه خير مدارس ... حلّت بها العلماء والفضلاء
يبقى كما يبقى الزمان وملكه ... باق له ولحاسديه فناء
كم للفرنج وللتتار ببابه ... رسل مناها العفو والإعفاء
وطريقه لبلادهم موطوءة ... وطريقهم لبلاده عذراء
دامت له الدنيا ودام خلدا ... ما أقبل الإصباح والإمساء
فلما فرغ هؤلاء الثلاثة من إنشادهم أفيضت عليهم الخلع، وكان يوما مشهودا، وجعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وبني بجانبها مكتبا لتعليم أيتام المسلمين كتاب الله تعالى، وأجرى لهم الجرايات والكسوة، وأوقف عليها ربع السلطان خارج باب زويلة فيما بين باب زويلة وباب الفرج، ويعرف ذلك الخط اليوم به فيقال خط تحت الربع، وكان ربعا كبيرا لكنه خرب منه عدّة دور فلم تعمر، وتحت هذا الربع عدّة حوانيت هي الآن من أجلّ الأسواق، وللناس في سكناها رغبة عظيمة ويتنافسون فيها تنافسا يرتفعون فيه إلى الحاكم، وهذه المدرسة من أجلّ مدارس القاهرة، إلّا أنها قد تقادم عهدها فرثت وبها إلى الآن بقية صالحة، ونظرها تارة يكون بيد الحنفية وأحيانا بيد الشافعية، وينازع في نظرها أولاد الظاهر فيدفعون عنه، ولله عاقبة الأمور.
المدرسة المنصورية
هذه المدرسة من داخل باب المارستان الكبير المنصوريّ بخط بين القصرين بالقاهرة، أنشأها هي والقبة التي تجاهها والمارستان، الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ، على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ، ورتب بها دروسا أربعة لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرسا للطب، ورتب بالقبة درسا للحديث النبويّ، ودرسا لتفسير القرآن الكريم، وميعادا، وكانت هذه التداريس لا يليها إلّا أجل الفقهاء المعتبرين، ثم هي اليوم كما قيل:
تصدّر للتدريس كلّ مهوّس ... بليسد يسمى بالفقيه المدرّس
فحقّ لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كلّ مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتّى سامها كلّ مفلس
القبة المنصورية: هذه القبة تجاه المدرسة المنصورية، وهما جميعا من داخل باب المارستان المنصوريّ، وهي من أعظم المباني الملوكية وأجلّها قدرا، وبها قبر تضمن الملك المنصور سيف الدين قلاون، وابنه الملك الناصر محمد بن قلاون، والملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون. وبها قاعة جليلة في وسطها فسقية يصل إليها الماء من قوّارة بديعة الزي، وسائر هذه القاعة مفروش بالرخام الملوّن، وهذه القاعة معدّة لإقامة