وأدركنا النطرون إقطاعا لعدّة أجناد.
فلما تولى الأمير محمود بن عليّ الإستادارية، وصار مدبر الدولة في أيام الظاهر برقوق حاز النطرون، وجعل له مكانا لا يباع في غيره، وهو إلى الآن على ذلك. وأما الحبس «١» الجيوشي: فكان في البرّين الشرقيّ والغربيّ. ففي الشرقيّ: بهتين والأميرية والمنية، وكانت تسجل هذه النواحي بعين، وفي الغربيّ: سفط ونهيا ووسيم، وهذه النواحي حبسها أمير الجيوش، بدر الجمالي، على عقبه هي والبساتين ظاهر باب الفتوح، فلما مات وطال العهد استأجرها الوزراء بأجرة يسيرة طلبا للفائدة، ثم أدخلت في الديوان.
قال ابن المأمون في تاريخه: وجميع البساتين المختصة بالورثة الجيوشية مع البلاد التي لهم لم تزل في مدّة أيام الوزير المأمون البطائحيّ بأيديهم لم تخرج عنهم بضمان ولا بغيره.
فلما توفي الخليفة الآمر بأحكام الله، وجلس أبو عليّ بن الأفضل بن أمير الجيوش، في الوزارة، أعاد الجميع إلى الملاك لكون نايبه في ذلك الأوفر.
فلما قتل، واستبدّ الخليفة، الحافظ لدين الله أمر بالقبض على جميع الأملاك، وحلّ الأحباس المختصة بأمير الجيوش، فلم يزل يأنس به، لأنه غلام الأفضل والوزير في ذلك الوقت، وعز الملك غلام الأوحد بن أمير الجيوش يتلطفان ويراجعان الخليفة مع الكتب التي أظهرها الورثة، وعليها خطوط الخلفاء إلى أن أبقاها عليهم، ولم يخرجها عنهم، ثم ارتفعت الحوطة عنها في سنة سبع وعشرين وخمسمائة للديوان الحافظي.
ولما خدم الخطير والمرتضى في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة في وزارة رضوان بن ولخشي، أعاد البساتين خاصة دون البلاد على الورثة بحكم ما آل أمرها إليه من الاختلال ونقص الارتفاع.
ولما انقرض عقب أمير الجيوش ولم يبق منه سوى امرأة كبيرة، أفتى فقهاء ذلك العصر، ببطلان الحبس، فقبضت النواحي وصارت من جملة الأموال السلطانية، فمنها ما هو اليوم في الديوان السلطانيّ، ومنها ما صار وقفا ورزقا أحباسية وغير ذلك.
وأما
دار الضرب: فكان بالقاهرة دار الضرب، وبالإسكندرية دار الضرب، وبقوص دار الضرب، ولا يتولى عيار دار الضرب، إلّا قاضي القضاة أو من يستخلفه، ثم رذلت في زمننا حتى صار يليها مسالمة فسقة اليهود، المصرّين على الفسق، مع ادّعائهم الإسلام، وكان يجتهد في خلاص الذهب وتحرير عياره، إلى أن أفسد الناصر فرج ذلك بعمل الدنانير