الألباب قال: نقل الشعبيّ في كتاب سير الملوك: أن الضحاك بن علوان، لما هرب منه لام بن عاد إلى ناحية الشمال أرسل في طلبه أميرين مع كل أمير طائفة من الجبارين خرج أحدهما قاصدا إلى بلغار، والآخر إلى باشقرد، فأقام أولئك الجبارون في أرض بلغار، وفي باشقرد. قال الإقليشيّ: وقد رأيت صورهم في باشقرد، ورأيت قبورهم بها، فكان مما رأيته، ثنية أحدهم طولها: أربعة أشبار، وعرضها شبران، وقد كان عندي في باشقرد نصف أصل الثنية أخرجت لي من فكه الأسفل، فكان عرضها شبرا، ووزنها ألف مثقال، ومائتا مثقال، أنا وزنتها بيدي، وهي الآن في داري في باشقرد، وكان دور فلك ذلك العاديّ سبعة عشر ذراعا، وفي بيت بعض أصحابي في باشقرد، عضد أحدهم طوله ثمانية وعشرون ذراعا، وأضلاعه كل ضلع عرضه ثلاثة أشبار، وأكثر كاللوح الرخام، وأخرج إليّ نصف رسغ يد أحدهم، فكنت لا أقدر أن أرفعه بيد واحدة حتى أرفعه بيديّ جميعا، قال: ولقد رأيت في بلد بلغار سنة ثلاثين وخمسمائة من نسل العاديين رجلا طوالا كان طوله أكثر من سبعة أذرع، وكان يسمى: دنقي وكان يأخذ الفرس تحت إبطه كما يأخذ الإنسان الطفل الصغير، وكان إذا وقع القتال بتلك الناحية، يقاتل بشجرة من شجر البلوط، يمسكها كالعصا في يده لو ضرب بها الفيل قتله، وكان خيّرا متواضعا، كلما التقاني سلم عليّ، ورحب بي وأكرمني، وكان رأسي لا يصل إلى حقوه، وكان له أخت على طوله رأيتها في بلغار مرارا عدّة.
قال لي القاضي يعقوب بن النعمان، يعني قاضي بلغار: إن هذه المرأة الطويلة العادية قتلت زوجها، وكان اسمه آدم، وكان من أقوى أهل بلغار ضمته إلى صدرها، فكسرت أضلاعه، فمات من ساعته. قال: ولم يكن في بلغار حمّام تسعهم، إلا حمّام واحدة واسعة الأبواب، انتهى.
وقد حدّثني الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الفريابي عن أبيه: أنه شاهد قبرا احتفر بمدينة قرطاجنة من إفريقية، فإذا جثة رجل قدر عظيم رأسه كثورين عظيمين، ووجد معه لوح مكتوب بالقلم المسند، وهو قلم عاد، وحروفه مقطعة، ما نصه:
أنا كوش بن كنعان ابن الملوك من آل عاد، ملكت بهذه الأرض ألف مدينة، وبنيت بها على ألف بكر، وركبت من الخيل العتاق سبعة آلاف، حمر وصفر وشهب وبيض ودهم، ثم لم يغن عني ذلك شيئا، أو جاءني صائح، فصاح بي صيحة أخرجتني من الدنيا، فمن كان عاقلا ممن جاء بعده فليعتبر بي وأنشد:
يا واقفا يرعى السهى ... برسم ربع قد وهى
قف واستمع ثم اعتبر ... إن كنت من أهل النهي
بالأمس كنا فوقها ... واليوم صرنا تحتها
لكل حدّ غاية ... لكل أمر منتهى