سقى عهد دمياط وحياه من عهد ... فقد زادني ذكراه وجدا على وجد
ولا زالت الأنواء تسقي سحابها ... ديارا حكت من حسنها جنة الخلد
فيا حسن هاتيك الديار وطيبها ... فكم قد حوت حسنا يجلّ عن العدّ
فلله أنهار تحف بروضها ... لكالمرهف المصقول أو صفحة الخد
وبشنينها الريان يحكي متيما ... تبدّل من وصل الأحبة بالصدّ
فقام على رجليه في الدمع غارقا ... يراعي نجوم الليل من وحشة الفقد
وظلّ على الأقدام تحسب أنه ... لطول انتظار من حبيب على وعد
ولا سيما تلك النواعير إنها ... تجدّد حزن الواله المدنف الفرد
أطارحها شجوي وصارت كأنما ... تطارح شكواها بمثل الذي أبدي
فقد خلتها الأفلاك فيها نجومها ... تدور بمحض النفع منها وبالسعد
وفي البرك الغرّاء يا حسن نوفر ... حلا وغدا بالزهو يسطو على الورد
سماء من البلور فيها كواكب ... عجيبة صبغ اللون محكمة النضد
وفي شاطىء النيل المقدّس نزهة ... تعيد شباب الشيب في عيشه الرغد
وتنشي رياحا تطرد الهمّ والأسى ... وتنشي ليالي الوصل من طيبها عندي
وفي مرج البحرين جمّ عجائب ... تلوح وتبدو من قريب ومن بعد
كأنّ التقاء النيل بالبحر إذ غدا ... مليكان سارا في الجحافل من جند
وقد نزلا للحرب واحتدم اللقا ... ولا طعن إلا بالمثقفة الملد
فظلا كما باتا وما برحا كما ... هما من جليل الخطب في أعظم الجهد
فكم قد مضى لي من أفانين لذة ... بشاطئها العذب الشهيّ لذي الورد
وكم قد نعمنا في البساتين برهة ... بعيش هنيء في أمان وفي سعد
وفي البرزخ المأنوس كم لي خلوة ... وعند شطا عن أيمن العلم الفرد
هناك ترى عين البصيرة ما ترى ... من الفضل والأفضال والخير والمجد
فيا رب هيئ لي بفضلك عودة ... ومنّ بها في غير بلوى ولا جهد
وبدمياط حيث كانت المدينة التي هدمت جامع من أجلّ مساجد المسلمين تسمية العامّة، مسجد فتح، وهو المسجد الذي أسسه المسلمون عند فتح دمياط.
أوّل ما فتح الله أرض مصر على يد عمرو بن العاص، وعلى بابه مكتوب بالقلم الكوفيّ، أنه عمر بعد سنة خمسمائة من الهجرة، وفيه عدّة من عمد الرخام منها، ما يعز وجود مثله، وإنما عرف بجامع فتح لنزول شخص يقال له: فاتح به، فقالت العامّة: جامع فتح.
وإنما هو: فاتح بن عثمان الأسمر التكروريّ، قدم من مراكش إلى دمياط على قدم