أن يجلس على سرير الملك، ويتسمى بالسلطان، فمنع من لعب النوروز، وهدّد من لعبه بالعقوبة، فانكف الناس عن اللعب في القاهرة، وصاروا يعملون شيئا من ذلك في الخلجان، والبرك، ونحوها من مواضع التنزه، بعد ما كانت أسواق القاهرة تتعطل في يوم النوروز زمن البيع والشراء، ويتعاطى الناس فيه من اللهو واللعب ما يخرجون عن حدّ الحياء والحشمة إلى الغاية من الفجور والعهور، وقلما انقضى يوم نوروز إلّا وقتل فيه قتيل أو أكثر، ولم يبق الآن للناس من الفراغ ما يقتضي ذلك، ولا من الرفه والبطر ما يوجب لهم عمله، وما أحسن قول بعضهم:
كيف ابتهاجك بالنوروز يا سكني ... وكل ما فيه يحكيني وأحكيه
فتارة كلهيب النار في كبدي ... وتارة كتوالي دمعتي فيه
وقال آخر:
نوروز الناس ونورزت ولكن بدموعي ... وذكت نارهم والنار ما بين ضلوعي
وقال آخر:
ولما أتى النوروز يا غاية المنى ... وأنت على الأعراض والهجر والصدّ
بعثت بنار الشوق ليلا إلى الحشا ... فنورزت صبحا بالدموع على الخدّ
ذكر ما يوافق أيام الشهور القبطية من الأعمال في الزراعات، وزيادة النيل، وغير ذلك على ما نقله أهل مصر عن قدمائهم واعتمدوا عليه في أمورهم
اعلم: أنّ المصريين القدماء اعتمدوا في تاريخهم السنة الشمسية كما تقدّم ذكره ليصير الزمان محفوظا، وأعمالهم واقعة في أوقات معلومة من كل سنة، لا يتغير وقت عمل من أعمالهم بتقديم ولا تأخير البتة.
توت: بالقبطيّ هو أيلول، وكانت عادة مصر مذ عهد فراعنتها في استخراج خراجها، وجباية أموالها إنه لا يستتم استيفاء الخراج من أهلها، إلّا عند تمام الماء، وافتراشه على سائر أرضها، ويقع إتمامه في شهر توت، فإذا كان كذلك، وربما كانت زيادة عن ذلك أطلق الماء في جميع نواحيها من ترعها، ثم لا يزال يترجح في الزيادة والنقصان، حتى يفرغ توت، وفي أوّل يكون يوم النوروز، ورابعه أوّل أيلول، وسابعه يلقط الزيتون، وثاني عشره