ثم فتحها (الظاهر بيبرس) بعد ذلك في رابع عشر شوال سنة أربع وستين وستمائة، وقرّر بها الأمير كيغلدي العلائيّ نائبا، وتوالى عليها بعد ذلك نواب ملوك مصر من لدن الظاهر بيبرس وإلى زماننا في سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق.
وأما الكرك، فقد تقدّم أن قلعتها كانت ديرا لرهبان، وكانت بيد الفرنج، وأن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فتحها، وقرّر فيها أخاه (الملك العادل أبا بكر بن أيوب) فبقيت بيده إلى أن مات السلطان صلاح الدين، فقرّر فيها ابنه (الملك المعظم عيسى) فبقيت في يده إلى أن استضاف إليها دمشق، وتوفّي في سنة أربع وعشرين وستمائة.
وملكها بعده ابنه (الملك الناصر صلاح الدين داود) في سنة ست وعشرين وستمائة، وبقي إلى سنة سبع وأربعين وستمائة، فاستخلف عليها ابنه (الملك المعظم عيسى) بعد أن أخذ منه غالب بلاده وفرّ بنفسه «١» .
ثم انتزع (الصالح نجم الدين أيوب) الكرك من المعظم عيسى بن الناصر داود في السنة المذكورة، وأقام بها بدر الدين الصوابي نائبا عنه، وبقي الناصر داود بعد ذلك مشرّدا في البلاد إلى أن مات في سنة خمس وخمسين وستمائة، وكان من أهل العلم والورع، وله شعر رائق، منه:
ألا ليت أمّي أيّم طول دهرها ... ولم يقضها ربّي لمولى ولا بعل!
ويا ليتها لما قضاها لسيّد ... لبيب أريب طيّب الفرع والأصل،
قضاها من اللاتي خلقن عواقرا ... ولا بشّرت يوما بأنثى ولا فحل
ويا ليتها لمّا غدت بي حاملا ... أصيب من احتفّت عليه من الحمل